البن اليمني نتحدث عنه بشكل تفصيلي من خلال مقالنا هذا كما نتعرف على تاريخة في العصور القديمة وكذلك في القرن الواحد وعشرون.
محتويات المقال
البن اليمني
البن هو ثمار أشجار البن الذي تحضر منه القهوة أشهر وأكثر المشروبات انتشارا في العالم، تتميز القهوة التي تُحضر من البن اليمني بنكهه فريدة ومذاق راقي لا يمكن الحصول عليه من أي بن آخر، ويحتل محصول البن مكانة استثنائية في ذاكرة اليمنيين وثمة إجماع لا استثناء فيه يجعل من هذه الشجرة وثمرتها الشهيرة في موقع المحصول الوطني الأول، وفضلاً عن القيمة الاقتصادية لمحصول البن، ثمة قيمة تاريخية ومعنوية له، فمن خلال محصول البن سجل اليمن حضوراً متميزاً على المستوى العالمي منذ أوائل القرن السادس الميلادي وحتى منتصف القرن التاسع عشر باعتباره المصدر الأول للبن من خلال ميناء المخاء الذي حمل البن اسمه إلى كل أنحاء العالم، وإلى الآن تحرص الكثير من الشركات على إطلاق اسم موكا (Mocha) على البن الذي تُسوقه، ورغم أن إنتاج اليمن من البن ليس ضخما مقارنة مع دول أخرى إلا أن جودة البن اليمني احتفظت بموقعها كأفضل أنواع البن المنُتجة على مستوى العالم.
زراعة البن في اليمن تنتشر في أقاليم ومناطق مختلفة، وبصورة رئيسية تُزرع أشجار البن على ارتفاع يتراوح بين 1000 إلى 1700 كيلو متر فوق سطح البحر، فمثلاً الأودية التي تنحدر من المرتفعات الغربية والوسطى والجنوبية، وفي المدرجات الجبلية خصوصاً في سلسلة الجبال الغربية المطلة على تهامة، والمزارع اليمني استطاع مع مرور السنين أن يكوَّن خبرة كبيرة في التعامل مع شجرة البن، فهو يتعهدها بالرعاية حتى تنمو إلى المستوى الذي يمكنها من مقاومة المخاطر البيئية والحيوانية، وبالتالي يضمن لها أفضل شروط الإنتاج، وتؤكد الدراسات الحديثة أن البن اليمن أفضل الأنواع في العالم، ولهذا يُعرف البن اليمني عالميا باسم البن العربي (Arabic Coffee)، وأصناف البن في اليمن متعددة وهناك ثمة أسماء كثيرة تطلق على البن ومعظمها تنسب إلى المناطق التي يرزع فيها مثل البن اليافعي والحمادي والمطري، والبن البرعي والحيمي والحرازي.
حقائق عن القهوة اليمنية الشهيرة
– تعد اليمن من الدول المصدرة لمحصول البن منذ القدم والذي عرف باسم Mocka Coffee تمييزاً لميناء المخاء التي يصدر منها البن اليمني حيث تم شراء أول شحنة من قبل الهولنديين من ميناء المخاء عام 1628م، لكن أول من تعرف على القهوة اليمنية من الأوروبيين هم البرتغاليين الذين غزوا سواحلها الغربية.
– يقول المؤرخون أن أوائل المستخدمين الذين حولوا استهلاك القهوة لمشروب اجتماعي ضمن عادة منتظمة هم متصوفو اليمن قرابة بداية القرن الخامس عشر، ولقد استخدموها لتنشيط ذهنهم ومساعدتهم على السهر ليلاً لإقامة صلواتهم.
– تعتبر اليمن البيئة الأنسب لزراعة البنّ، من حيث المناخ الإستوائي والأمطار المستمرة، وكما أن شجرة البنّ لا تحتاج أسمدة أو مبيدات حشرية، لكن الزراعة هناك تفتقر إلى الإهتمام الحكومي وتحتاج المزيد من السدود ومشاريع الريّ.
– أكثر ما تعانيه زراعة البنّ هو الصراع المرير مع زراعة القات، فالكثير من المزارعين يستبدلون كل ما لديهم من أشجار للقهوة أو نصف حقلهم بالقات، وذلك لأن “القات له عائد مالي جيد ومتكرر” على حدّ قولهم، ولأنه مقاوم للجفاف لفترات أطول.
– تتميز اليمن ببناء مدرجات البن، حيث أن زراعة البن تعتمد على هذه المدرجات الزراعية الهائلة، وكذلك فإن البنّ يجفف بالشمس الطبيعية (ما يُعتبر معالجة طبيعيّة للبن).
– أراضي المدرجات المرتفعة في اليمن أول مكان تزرع فيه القهوة، ولكن خلال الأعوام الـ60 الماضية انخفضت الصادرات اليمنية من نحو 40 ألف طن سنوياً إلى 7 آلاف طن فقط، وتقدّمت عليها زراعة القات النبتة التي يمضعها نحو 70% من السكان الذكور.
– تُعالج القهوة التي تنتجها اليمن (القهوة العربية أرابيكا) طبيعياً، تجفف في الشمس وتقشّر، ولذلك فإن عينات القهوة اليمنية تحتوي على الحجارة. والبديل لهذه الطريقة عملية غسل مكثف تستخدم فيه وسائل تكنولوجية.
زراعة البن في اليمن
يعتبر اليمن البلد الوحيد في العالم الذي تزرع فيه شجرة البن، في ظل ظروف مناخية وبيئية لا تتماثل مع تلك التي تزرع فيها أشجار البن زراعة مرفهة في مناطق آخرى من العالم، فبسبب ضعف الإمكانات الزراعية لازال اليمنيون يستخدمون النظم القديمة التي اتبعها أجدادهم في زراعة البن، من جهة ثانية يغلب على بيئة زراعة البن في اليمن ندرة المياه، وبالرغم من ذلك يحصل المزارع اليمني على أفضل أنواع البن في العالم والمعروف بالبن العربي، وتنتشر زراعة البن اليمني في معظم المحافظات، وأشهر مناطق زراعته هي: (بني مطر، يافع، حراز، برع، بني حماد، عمران).
البن في التراث اليمني
نظراً إلى مكانة القهوة تاريخياً في نفوس اليمنيين، ولما يمثله موسم حصاد بذورها في أجواء من البهجة والسرور وعبارات الاستبشار التي يتشاركها جميع أبناء القرية، رجالاً ونساءً، فقد احتفظ التراث الشعبي اليمني بكثير من الأعمال الغنائية والأشعار والمهاجل الشعبية المشهورة التي تغنّت بالبن وبموسم حصاده، والإشادة به رمزاً يمنياً، ومنتجاً قومياً رافداً للاقتصاد اليمني.
ولخص الشاعر اليمني، مطهر الإرياني، روح الحياة اليمنية باقترانها بالبن منذ زراعته وإلى جني ثماره في واحدة من أجمل الأشعار المغناة في اليمن التي لحنها علي بن علي الآنسي: “يا حارس البن بشرى موسم البن داني… ما للعصافير سكرى بين خضر الجنان… هل ذاقت الكاس الأول من رحيق المجاني واسترسلت تطرب الأكوان بأحلى الأغاني”. إلى أن يقول: “بن اليمن يا درر… يا كنز فوق الشجر… من يزرعك ما افتقر… ولا ابتلى بالهوانِ”.
وبنظرة يملؤها التفاؤل الشبيه بما يمنحه تأثير ارتشاف قهوة البُن اليمنية، يتأمل صادق وجمع من أسرته وأقربائه، حقول البن التي تمتد مزهوة، تحتضن الروابي البعيدة، حيث تتراقص أغصانها الهادئة، المثقلة بحبات القهوة الطرية الحمراء والصفراء، على أمل أن يعود هذا المنتج إلى مكانته كأجود نوع في العالم، بينما المشهد يوشي بانتظار الجانبين، موعد غرام الحصاد الباعث للنشوة والفرح والغناء!