الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك نتعرف على العلاقة بينهم في هذا المقال وهل هم بنفس المعنى وما هي الجوانب المشتركة التي تجمع تلك المصطلحين معا تابعوا السطور القادمة .
محتويات المقال
الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك
مثلها مثل كل العـلوم المتداخلة تشهد تطبيقات علوم الجغرافيا السياسية والجيـوبوليتيـك تشابكاً والتباسات تبدأ من معنى المصطلحين بدلالتهما اللسانية باللغات الاجنبية. ليضاف الى هذا اللبس الدلالي لبس الترجمات ومعها اللبس الناجم عن إساءة استعمال المصطلحين والخلط بينهما حتى من قبل السياسيين والمتخصصين. وهو خلط يبرره غياب التعريفات التفريقية بين المصطلحين حتى في الموسوعات السياسية الكبرى. اذ ان علم السياسة حاضر في المصطلحين وهو بحد ذاته مصطلح غامض لان السياسة رفضت التحول الى علم لتبقى مجموعة مهارات يحتفظ بها ابناء المهنة كأسرار. فكان ان استعيض عن علم السياسة بتخليق فروع سياسية ضمن حلقات العلوم الانسانية. حيث تفرعت اختصاصات السيكولوجيا السياسية وعلم الاجتماع السياسي والاقتصاد السياسي والانثروبولوجيا الثقافية – السياسية وغيرها من الفروع.
كما يمتد الغموض الى المصطلحين الاضافيين وهما “جـيو Geo” و”جغـرافيا Geography” حيث تترجم الكلمة اليونانية “جـيو” بصورة مجتزأة الى “أرض” فيما تمتد دلالتها اليونانية الى “أحـوال الارض” بما يتخطى مفهوم الارض الثابتة الراسخة أو الجامدة. أما الكلمة المعربة “جغـرافيا” فهي تفقد دلالاتها او تكاد لو نحن تجاهلنا العودة الى الزمن التاريخي. حيث شهد التاريخ اكبر الكوارث الجيوبوليتيكية والجغرافية – السياسية على حد سواء من خلال ما عرف بمعاهدة فرسـاي التي انهت الحرب العالمية الاولى. وهي اشترطت جراحات جغرافية وحشية يرى خبراء الجيوبوليتيك بانها سبب نشوب الحرب العالمية الثانية. بل ويذهب بعضهم لاعتبار حروب ما بعد تلك الحرب في اوروبا والشرق الاوسط نتائج لتلك الاتفاقية وملاحقها. ومنها ملحق اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت بلاد الشام التاريخي وأفسحت المجال لقيام دولة اسرائيل في قلب بلاد الشام. ولعل التفريق المختصر بين هذين العلمين يكمن بالقول بـ “أن الجغرافيا السياسية تتعاطى مع الواقع وتنهمك به بينما يكرس الجيوبوليتيك جهده للاهداف المستقبلية”.
تعريف الجيوبوليتيكا
إن جوهر الجيوبوليتيكا هو تحليل العلاقات السياسية الدولية على ضوء الأوضاع والتركيب الجغرافي، ولهذا فإن الآراء الجيوبوليتيكية يجب أن تختلف مع اختلاف الأوضاع الجغرافية التي تتغير بتغير تكنولوجية الإنسان وما ينطوي عليه ذلك من مفاهيم وقوى جديدة لذات الأرض، وفي هذا قال ماكيندر: «لكل قرن جيوبوليتيكيته، وإلى اليوم فإن نظرتنا إلى الحقائق الجغرافية ما زالت ملونة بمفاهيمنا المسبقة المستمدة من الماضي «لتلك الحقائق» وذلك لأغراض عملية، وعلى هذا فإن نظرتنا إلى الأوضاع الجغرافية في هذا القرن هي تلك القائمة على الترابط بين توزيع أشكال سطح الأرض وأنماط الحركة، بينما كانت النظرة في القرن الماضي مبنية على توزيع الكتل القارية فقط، وفيما قبل القرن التاسع عشر كانت النظرة إلى الأوضاع والحقائق الجغرافية نابعة من التوزيعات المناخية وأشكال السطح الإقليمية، وتشير المناقشات الجارية بين المختصين إلى أن أسس النظرة إلى الأوضاع والحقائق الجغرافية في القرن القادم سوف ترتكز على توزيع الكتل السكانية والتكاملات الاقتصادية أكثر بكثير مما يُعطى لها من وزن في الوقت الحاضر.
لكن ما هو هدف وغرض التحليل الجيوبوليتيكي؟ يرى بعض الباحثين «أن التنظيم الجيوبوليتيكي قد يخدم أغراض البحث التأملي أو أغراض تخطيط السياسة والدعاية أو غير ذلك من الأغراض السياسية العملية، مثال ذلك أعمال الجيوبوليتيكيين الألمان في خلال العهد النازي.»، والحقيقة أن الأفكار الجيوبوليتيكية قديمة قدم الفكر الإنساني في حضاراته العليا القديمة، ولعل أقدم فكرة صريحة وصلت إلينا هي أفكار الفيلسوف الإغريقي أرسطو الذي أكد أن موقع اليونان الجغرافي في الإقليم المعتدل «المناخي» قد أهَّل الإغريق إلى السيادة العالمية على شعوب الشمال «البارد» والجنوب «الحار» (أرسطو في كتاب السياسة). وعلى أية حال فإن الجيوبوليتيكا تخدم كافة الأغراض العلمية والعملية.
الفكر الجيوبوليتيكي القديم
1- ارتبطت الأفكار الجيوبوليتيكية القديمة عامة بالظروف الجغرافية المحيطة بشعب أو مملكة أو مفكر، ويبدو أن السياسات القديمة: عشائرية أو على مستوى القبيلة بالنسبة للرعاة وأمثالهم من المتحركين، أو الإمارات أو الدول التي كونت الحضارات العليا القديمة في الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط؛ هذه السياسات كانت تقودها وتسيطر عليها فكرة الوحدات الجغرافية المتكاملة مثل الأودية النهرية: وادي النيل الأدنى الذي تكونت فيه الدولة المصرية القديمة، وما بين النهرين الذي تكونت فيه دول سومر وأكاد وبابل وآشور، ووادي الأردن الذي اختاره لوط وقومه حينما انفصلوا عن إبراهيم الخليل، وقد فضل الأخير أن يقيم حياة أساسها التجوال في التلال والهضاب المعشوشبة.
2- وفي عهود هذه الدول القديمة ظلت الصحارى والجبال مناطق متميزة بوضوح خارج الدولة أو داخل نفوذها السياسي غير المباشر، وقد أجبر هذا الأمر تلك الدول أن تقيم حدودًا ومعسكرات لأجنادها في أقاليم الحركة المستمرة للرعاة لإجبارهم على احترام الدولة وإقامة علاقات تجارية فقط، أو لإخماد ثوراتهم وحركاتهم الغازية التي قلما تهدأ، وبرغم ذلك اجتاح الرعاة بابل وممالك العراق القديم مرات، واجتاحوا مصر في صورة الهكسوس.
3- ولا شك أن الكفاح المستمر بين الأخضر والأصفر قد أدى إلى تغيرات مستمرة في التركيب السياسي والعسكري لدول الشرق الأوسط، ولكن ذلك لم يكن كل أشكال الصراع، فقد ظهرت دول قوية في الهضاب المحيطة، وخاصة في هضبة إيران (ميديا والأخمينيون) وهضبة الأناضول (الحيثيون)، وعلى سبيل المثال انتهى الصراع بين العراق والفرس بسقوط دولة بابل الثانية وامتداد الإمبراطورية الفارسية على كل أنحاء الشرق الأوسط، أما الصراع بين مصر والحيثيين فقد ألجأ المصريين إلى اتباع سياسة جيوبوليتيكية أساسها فرض الصراع على أرض بعيدة عن مصر، ولهذا يحتل المصريون ساحل اللفانت حتى أقدام جبال طوروس ويؤمِّنون المنطقة كلها حتى حدود المملكة الحيثية في هامش الهضبة، وبذلك أصبحت جيوبوليتيكية الفراعنة في الدولة الحديثة تشمل الامتداد الأرضي الخصب على طول ساحل البحر المتوسط، بينما كانت سياساتهم فيما قبل ذلك تجعل لهم حدودًا حتى سيناء فقط.
الفكر الجيوبوليتيكي الحديث
لقد جاءت محاولات الجيوبوليتيكا الحديثة تسير مع تطور العلوم الجغرافية، وقد كان الفيلسوف الألماني «إيمانويل كانت» أول من عالج من المحدثين هذا الموضوع السياسي العالمي، فأعرب عن اعتقاده بأن وجود «الدولة العالمية» أمر مؤسس على طبيعة الأشياء، وقد أيد هذا الاعتقاد بالأدلة التالية:
(١) أن الطبيعة قد حبت الإنسان بإمكانية السكن والعيش في كل أجزاء العالم.
(٢) أن الطبيعة قد بعثرت الإنسان نتيجة استمرار الحروب مما أدى إلى سكن الناس في معظم الجهات القابلة للسكن.
(٣) وأن العاملين السابقين معًا قد أجبرا الإنسان على أن ينهي حروبه دائمًا بعقد الصلح وإقامة السلام. ولقد رأى «كانت» أن الدولة الأوروبية دائمة الحروب فيما بينها بسبب رغبة هذه الدول في إخضاع بعضها البعض، ومن ثم فإن إيجاد اتحاد أوروبي من الدول المستقلة الحرة يمكن أن يؤدي إلى إحلال السلام في العالم «نتيجة لأن أوروبا في عصر «كانت» كانت تسيطر على أقدار العالم السياسية.»
وعلى عكس الاتحاد العالمي للدول كما رآه «كانت» في صورة «الدولة العالمية»، فإن مؤسسي الجغرافيا الحديثة قد أكدوا على مفهوم الإقليمية المرتبط بالأنماط الإقليمية، وقد أصبحت هذه الأفكار الإقليمية أسس الجيوبوليتيكا الحديثة وتأخذ الأفكار الحديثة في الجيوبوليتيكا العالم على أنه ينتظم في أنماط من توزيعات اليابس والماء وخطوط تصل هذه التوزيعات فيما بينها، فعلى سبيل المثال ترى إحدى الأفكار الجيوبوليتيكية أن التركيز يجب أن يُصبَّ على الكتلة القارية المتكونة من أوروبا وآسيا وأفريقيا معًا، فهنا ٥٦٪ من مساحة اليابس العالمي، ٨٤٪ من سكانه، وحول هذا التكتل الأرضي الكبير مسطحات مائية واسعة تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة اليابس، هذه هي فكرة «الجزيرة العالمية»، وواضح أن مركز ثقل هذه الفكرة يرتبط بأكبر مساحة من الأرض اليابسة.
وفكرة أخرى تركز على النصف الشمالي من الكرة الأرضية: أورو آسيا وشمال أفريقيا وأمريكا الشمالية والوسطى، وهنا نجد ٦٠٪ من مساحة اليابس الأرضي و٤٠٪ من السكان، والتركيز هنا على مسطحات الماء والهواء التي تربط أورو آسيا بأمريكا، وهناك أفكار أخرى عالمية مثل تلك التي تركز على الأطلنطي على أنه رابط بين الأمريكتين وأوروبا وأفريقيا معًا باعتبار هذه القارات الأربع والمحيط الذي يربط بينها هي التكتل الأرضي ذو الأهمية والمغزى في العالم، ولا شك أن هذه الفكرة تستمد جذورها من العلاقات التجارية وخطوط الاتصال البحري والجوي الكثيفة التي تتمركز في الأطلنطي بالقياس إلى بقية المحيطات.