الحكمة من الابتلاء

كتابة omar albasha - تاريخ الكتابة: 17 أكتوبر, 2019 8:19
الحكمة من الابتلاء

ماهي الحكمة من الابتلاء وماهو مفهوم الابتلاء لغة واصطلاحا وماهي طرق التعامل مع الابتلاء.

ابتلاء
ابتلاء وردت كلمة الابتلاء ومشتقاتها في القرآن سبعاً وثلاثين مرة، وهي من المفردات التي يكثر تداولها في أدبيات كتب التفسير والتاريخ والسير ونحوها.
تعريف
يعرف الابتلاء اصطلاحًا ، الاختبار والامتحان، والبلاء يكون في الخير والشر ، كما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾، قال أبو الهيثم: «البلاء يكون حسنًا ويكون سيئا، وأصله المحنة»، والله -عز وجل- يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره.
من حِكَم الابتلاء
تكفير السيئات :
الابتلاءات التي تصيب المؤمن فيصبر عليها سبب لتطهيره من السيئات كما قال تعالى ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ، (( أي تنقيتهم من الذنوب بالابتلاءات ))
.وعن أبي هريرة عن النبي قال : (( ما يصيب المسلم من نصب ، ولا وصب ، ولا هم ، ولا حزن ، ولا أذى ، ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه )) ، وإنما قال : (( من خطاياه )) لأن بعض الذنوب لا تكفر إلا بالتوبة وإرجاع الحق إلى أهله . وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : (( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة )) .
رفع الدرجات (في الدنيا والآخرة):
قال ابن القيم
في ذكره للحكم والغايات المحمودة من ابتلاء يوم أُحد : (( إنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته ، لم تبلغها أعمالهم ، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة ، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه .. كما قال تعالى :﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ .
تحقيق العبودية لله في السراء والضراء :
قال ابن القيم في ذكره لحكم الابتلاءات : (( استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء ، وفيما يحبون وما يكرهون ، وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم ، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون ويكرهون فهم عبيده حقا ، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء ، والنعمة والعافية ))
بيان حقيقة الناس ومعادنهم :
قال الفضيل بن عياض :” الناس ما داموا في عافية مستورون فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم فصار المؤمن إلى إيمانه والمنافق إلى نفاقه”.
.،ففي الابتلاءات يتميز الناس ، ويظهر كل واحد على حقيقته كما قال تعالى : ﴿مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْب﴾ .قال ابن القيم : (( أي ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق ، كما ميزهم بالمحنة يوم أُحد ))
فوائد الإبتلاء :
• تكفير الذنوب ومحو السيئات .
• رفع الدرجة والمنزلة في الآخرة.
• الشعور بالتفريط في حق الله واتهام النفس ولومها .
• فتح باب التوبة والذل والانكسار بين يدي الله.
• تقوية صلة العبد بربه.
• تذكر أهل الشقاء والمحرومين والإحساس بالآمهم.
• قوة الإيمان بقضاء الله وقدره واليقين بأنه لاينفع ولا يضر الا الله .
• تذكر المآل وإبصار الدنيا على حقيقتها.
والناس حين نزول البلاء ثلاثة أقسام:
الأول: محروم من الخير يقابل البلاء بالتسخط وسوء الظن بالله واتهام القدر.
الثاني : موفق يقابل البلاء بالصبر وحسن الظن بالله.
الثالث: راض يقابل البلاء بالرضا والشكر وهو أمر زائد على الصبر.
والمؤمن كل أمره خير فهو في نعمة وعافية في جميع أحواله قال الرسول صلى الله عليه وسلم ” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
واقتضت حكمة الله اختصاص المؤمن غالباً بنزول البلاء تعجيلاً لعقوبته في الدنيا أو رفعاً لمنزلته أما الكافر والمنافق فيعافى ويصرف عنه البلاء. وتؤخر عقوبته في الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد” رواه مسلم.
والبلاء له صور كثيرة: بلاء في الأهل وفى المال وفى الولد, وفى الدين , وأعظمها ما يبتلى به العبد في دينه.
وقد جمع للنبي كثير من أنواع البلاء فابتلى في أهله, وماله, وولده, ودينه فصبر واحتسب وأحسن الظن بربه ورضي بحكمه وامتثل الشرع ولم يتجاوز حدوده فصار بحق قدوة يحتذي به لكل مبتلى .
والواجب على العبد حين وقوع البلاء عدة أمور:
(1) أن يتيقن ان هذا من عند الله فيسلم الأمرله.
(2) أن يلتزم الشرع ولا يخالف أمر الله فلا يتسخط ولا يسب الدهر.
(3) أن يتعاطى الأسباب النافعة لد فع البلاء.
(4) أن يستغفر الله ويتوب إليه مما أحدث من الذنوب.
• ومما يؤسف له أن بعض المسلمين ممن ضعف إيمانه إاذا نزل به البلاء تسخط و سب الدهر , ولام خالقه في أفعاله وغابت عنه حكمة الله في قدره واغتر بحسن فعله فوقع في بلاء شر مما نزل به وارتكب جرماً عظيماً.
الحكمة من الابتلاءات التي يبتلى الله بها المؤمنين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “احتج آدم وموسى، فقال موسى يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة” [صحيح مسلم، 2652]، إذن فقد كان مقدرا على بني آدم قبل أن يخلق الله آدم وحواء أن يخرجا من الجنة ويعيشا في هذه الأرض، وأن يكابد أبناؤهم مشقة الحياة، كما تقول الآية {لقد خلقنا الإنسان في كبد} [البلد، 4].
لكن كبد الحياة ومشقتها وكل ما فيها من مصائب لا تشكل بمجموعها الصورة الكاملة، فالخالق أعطى آدم وبنيه قبل أن يُخرجهم من الجنة الأدوات الكافية لمقاومة المشقة وتوظيفها والتعايش معها، بل اعتبر المؤرخ أرنولد توينبي أن التحديات هي التي تدفع الإنسان لبناء الحضارات وإعمار الأرض، حيث رأى من خلال دراسته لتاريخ البشرية أن الظروف الطبيعية القاسية والضغوط البشرية الخارجية توجد استجابة ناجحة لدى رواد المجتمعات من المبدعين والقادة، ولو لم توجد تلك التحديات لركن المجتمع إلى الراحة والدعة وكان مصيره الفناء.
وربما يتذكر كل من يقرأ هذه الكلمات عشرات المواقف الصعبة التي ألمت به حتى كادت تدفعه إلى اليأس، وحتى الرغبة بالموت أو التفكير بالانتحار، إلا أنه تمكن لاحقا من تجاوزها وحتى نسيانها، ولعله يتعجب اليوم من شعوره السابق باليأس ويرى أنه كان مبالغا فيه. فحتى الإنسان السفيه لديه من القدرة على الصبر والتحمل ما يساعده على متابعة الحياة، لكن الذي يتسلح بالإيمان يكون أكثر قدرة بكثير على التجاوز، بل قد يصل إلى مرحلة التلذذ بالابتلاء، وهي درجة يعرفها الزهاد في كل العصور.
لقد كشفت لنا الحروب والثورات والمحن التي مرت بها شعوب عربية عديدة أن لدى الإنسان قدرة هائلة على التكيف والصبر، فمن دون سابق إنذار وجد الملايين أنفسهم فجأة معرضين للقصف والتهجير وخسارة كل مدخراتهم، وربما خسارة أحب الناس إليهم، فضلا عن خسارة أحلامهم ومستقبلهم. ومع ذلك يفاجأ المراسلون الذين يجرون تغطياتهم الصحفية عن تلك المآسي بقدرة الناس على التعايش مع كل هذا الألم، بل وابتكار أساليب جديدة للعيش ومقاومة الصعاب، فضلا عن الإبقاء على جذوة الأمل حية في قلوبهم، حتى يقال إن بعضهم يجد في وسط تلك المصاعب من الرضا ما يغنيه عما كان فيه من مقومات السعادة.
وحتى في ظروف الحياة الخالية من المآسي، قد يكون أحد الجاحدين مستعدا لبذل جهود جبارة في سبيل النجاح الدراسي والمهني، وقد يفعل المستحيل ليكتسب شهرة أو ينال سلطة أو يُحرز دخلا جيدا أو ترضى عنه امرأة حسناء، بل قد يخاطر بحياته لأجل لذة عاجلة تافهة، أو يتسبب بهلاك أشخاص آخرين من أجل إشباع غروره بالمزيد من جنون العظمة، وهو لا يجد في ذلك معضلة منطقية ولا أخلاقية، بينما تدور الشكوك في رأسه عندما يبدأ التفكير بهذا المنطق نفسه بشأن مشقة عابرة في مقابل نعيم هائل ودائم.
علاوة على ذلك، يمكن لكل منا أن يكتشف بقليل من التأمل أن هناك انسجاما بين الغاية من الخلق وبين الهيئة التي خُلقنا عليها، فالحديث يطول ويتشعب إذا بحثنا في قدرات الجسد البشري وإمكانات تحمله، وكذلك الحال في النفس البشرية وقدرتها على التأقلم والتكيف. وكلما تجردنا عن ذواتنا وأنعمنا النظر في طبائعنا وعجائب خلقنا وجدنا في كَبد الحياة ذاته متعة، بل يكاد الناس جميعا يتفقون على أن الحياة ستكون مملة لو خلَت من مشقتها.
وربما تستوقفنا مئات الكتب التي تحصد أعلى المبيعات كل عام بعناوينها التي تدور حول دروس الحياة ومتعة الإنجاز وعظمة التحدي، فالبشر على اختلاف ثقافاتهم يتفقون على أن الحياة جميلة وتستحق أن تُعاش، غير أنهم سرعان ما يتفرقون مذاهب شتى عندما يتعلق الأمر بالغاية الكامنة وراء هذه الحياة، وكأنهم مستعدون لتحمل مشقتها من أجل لذاتها العاجلة، بينما يتعنت الكثير منهم في الإيمان بما وراءها.
هناك الكثير من الآيات والأحاديث والأقوال والقصص التي تفصّل الحديث في فضل الصبر وثواب الصابرين، وقد تكفي قراءتها لإقناع معظمنا بحكمة الابتلاء وما يتركه من أثر طيب في نفوسنا بالرغم من صعوبته، وهذا أمر يدركه حتى أولئك الذين بلغوا قدرا من الحكمة دون أن يؤمنوا بالله والقدر والثواب، فكثيرا ما نجد لدى ممارسي رياضات التأمل ومدربي التنمية البشرية قدرات فلسفية وعملية على الاستفادة من المصاعب وتحويلها إلى محفزات للتقدم.
لكن ما نهتم به هنا هو الشق الفلسفي من السؤال، فقد يقصد السائل أن يقول: لماذا يبتلينا الله أصلا بالمصائب إن كان قادرا على أن يمنحنا ثواب الصبر ومزايا الحكماء الصابرين دون أن نعاني؟
وهنا نعود أيضا إلى العلة الغائية من الخلق، فنحن نعلم أن خلقنا لم يكن عبثا لكن الوحي لم يخبرنا بما وراء ذلك، وليس للعقل أن يخوض فيما لا يملك أي أداة للبحث فيه. وبالمثل فنحن نعلم أن الله وضعنا في هذه الحياة ليختبرنا -بالسراء والضراء معا- كما قال {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، ومعرفتنا بهذه الغاية تكفي لمتابعة الحياة ودخول الاختبار حتى لو لم يخبرنا الله تعالى لماذا اختار أن تكون الحياة أصلا محل اختبار، فالمهم أننا نعلم يقينا أن النجاح في الاختبار ممكن، وأن لدينا من الأدوات ما يساعدنا على اجتيازه.
ومن المهم أيضا أننا على يقين بأن الله عادل، وليس ذلك لأنه إله فحسب، بل هو اختار بكرمه أن يكون عادلا كما قال في الحديث القدسي “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا” [صحيح مسلم، 2577]، وهو أيضا لم يتركنا دون فطرة ولا عقل ولا وحي، فهذه الأدوات الثلاث تؤهل الشخص العادي للبحث عن الحق والتعرف عليه والعمل بمقتضاه، ولو اختلفت الوسائل ودرجات الاستجابة والالتزام، لكن الحد الأدنى من الإيمان متوفر لدى جميع الناس الأسوياء.



1017 Views