انواع الاخلاق في الاسلام ومفهوم الاخلاق في الاسلام وكل مايخص الاخلاق في هذه السطور التالية.
يُعنى بالأخلاق القوى والسجايا النفسية الراسخة التي تصدر عنها أنماط السلوك الإنساني الخارجي من خلال إرادة حرة، وهي تمثل الصورة الباطنة للإنسان، كما أن الْخَلْق يمثل الصورة الظاهرة، وكلاهما يكون حسنًا أو غير حسن، والأصل في الخُلُق أن يكون اختياريًا يكتسب بالتخلق والجهد والمثابرة؛ ولذلك يُمدح به الإنسان أو يُذم، ويثاب عليه أو يعاقب بخلاف الخلَقْ، فهو فطرة مقسومة محددة لا مدخل لأحدٍ فيها ولا اختيار، ولا يتعلق بها لذاتها مدح أو ذم، ولا يترتب عليها ثواب أو عقاب، على أننا ننبه أن الله -تبارك وتعالى- قد فطر الإنسان من حيث هو على الخير، وركز في فطرته أصول الأخلاق والفضائل السامية، وركب فيه حب موافقتها وبغض مخالفتها، إلا من انتكست فطرته تحت وطأة البيئة، أو ضلال التربية، وإغواء النفس والشيطان ونحو ذلك.
محتويات المقال
الخلق نوعان
أ- خلق حسن : وهو الأدب والفضيلة وتنتج عنه أقوال وأفعال جميلة عقلا وشرعا .
ب- خلق سيئ : وهو سوء الأدب والرذيلة وتنتج عنه أقوال وأفعال قبيحة عقلا وشرعا .
ولقد جاءت دعوته صلى الله عليه وسلم إلى فضائل الأخلاق سامية زاكية ، فقد روي عن أسامة بن شريك قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ، ما يتكلم منا متكلم ، إذ جاءه أناس فقالوا : من أحب عباد الله تعالى ؟ قال : (أحسنهم خلقا ) وحسن الخلق من أكثر الوسائل وأفضلها إيصالا للمرء للفوز بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والظفر بقربه يوم القيامة حيث يقول : إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا.
سعة المعنى الأخلاقي وشموله في دين الله:
لم يقصر هذا الدين معاني الأخلاق على جوانب معينة، وإنما بثها بثًّا واسعًا في كافة أوجه الحياة الإنسانية الظاهرة والباطنة، والفردية والاجتماعية، والمحلية والعالمية، بل ربما كان أكثر إلزامًا وتأكيدًا لأمر الأخلاق في النواحي التي تواضعت واتفقت مجتمعات البشر على تجريدها من الالتزام الخلقي كالسياسة، وشئون الحكم، والاقتصاد، والحروب، والمواجهة في مواقع الخصومات، ومعاملة المخالفين في الدين والجنس. . . وغير ذلك، وقد أضافت الرسالة القرآنية للأخلاق بُعدًا جديدًا وخطيرًا تمثل في إقامة دولة عالمية على أساس أخلاق متينة، فكان ذلك شيئًا فريدًا في بابه أن يستوي الحاكم بالمحكوم، وأن يُقيد الحاكم من نفسه لأدنى رعاياه، وأن يعف عن أموال الدولة أو المجتمع ولو وصل إلى الجوع أو الاستدانة، وأن يحرم الغدر ولو بالأعداء، وأن تُحترم المعاهدات معهم حتى ينبذ إليهم على سواء، وغير ذلك كثير ممّا لم يكن للدول به عهد ولا اعتبار، وربما كان لديهم مبادئ نظرية في هذا، لكنها لم ترق إلى موقع التنفيذ،فضلًا عن أن تصبح واقعًا عمليًا لحياة الناس الواسعة المتقلبة اليومية.
ومن هنا نفهم معنى قوله ^: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وفي رواية: “صالح الأخلاق” والحديث رواه الإمام أحمد، والبيهقيفي (الشّعَب)، والحاكم في (المستدرك) وقالً: صحيحٌ على شرط مسلم، ذلك لأن الأخلاق قبله ^ لم تظفر بمثل هذا التأسيس النظري والتطبيق العملي مع مده إلى آفاق شاسعة من الحياة، وإلى أرجاء واسعة من الأرض؛ حتى أصبح للأخلاق ثِقلها العظيم في الناس بعد أن كانت تتوارى بينهم، وغدت للأخلاق دولة ردت للإنسان معنى الإنسانية فيه، بعد أن جردته سبل الجاهليات وأضاليلها من خير معانيه، وجماع الأخلاق الإسلامية يعود إلى أمرين هما: الحق، والخير، ولم يترك الله تعالى شيئًا من خلال الحق أو من خصال الخير إلا قرره وأكده وأمر به، وبغض للناس نقيضه، وأنذرهم على فعل هذا النقيض.
أمثلة على أخلاق السابقين
-مثال على الصّبر: يُقال قبل قطع رجل ابن القيّم عرض أهله والطّبيب عليه أن يسقوه شيئاً حتى لا يشعر بشدّة الألم، فردّ عليهم: إنّما ابتلاني الله ليرى صبري، فلن أعارض أمره، ورفض شُرب شيء.
-مثال على الحلم: يُقال إنّ رجلاً شتم بعض الأدباء فبقي ساكتاً ولم يرد، فاستثار له أحد المارِّين في الطريق، وقال له: (يرحمك الله ألا أنتصر لك؟ قال: لا، قال: ولِمَ؟ قال: لأني وجدتُ الحِلْمَ أَنْصَرَ لي من الرجال، وهل حاميت لي إلاَّ لحِلْمِي).
-مثال على الصدق مع الله: كان المطرِّف بن عبد الله وهو أحد السّلف يدعو دائماً: (اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أريد به وجهك، فخالط قلبي منه ما قد علمت).
-مثال على الإحسان والصّدقة: مكث علي بن الحسين زين العابدين سنوات طويلة يعمد على توزع الطّعام والصّدقات في اللّيل وحده سراً على المحتاجين والفقراء والأرامل حتى لا يراه أحد، ولا يعلم هؤلاء من أين جاءهم الزّاد، حتى توفى، انقطعت صدقته عنهم، ووجدوا على ظهره علامات سوداء، فعلموا أنّ سببها ما كان يحمله على ظهره.
-مثال على التّواضع: كان سفيان الثوريّ وهو أحد علماء المسلمين يقول: (وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء أصحاب عناء عليهم أكسية غليظة، غرباء لا يعرفونني فأعيش في وسطهم لا أُعرف كأنني رجل من فقراء المسلمين وعامتهم).
الخُلُق مع الخَلْق:
ونعني به ما يَلتزِم به المسلمُ من أخلاق وسلوكيات مع غيره، والأسس والقواعد الأخلاقية التي تَضبِط علاقته بالآخرين.
وهذا القسم يمكن تقسيمه إلى أقسام عدة؛ مِثْل: الخلق مع الأنبياء والرسل، والخلق مع الوالدين، والخلق مع أولي الأرحام، والخلق مع المؤمنين، والخلق مع الكافرين، والخلق مع العجماوات، وغير ذلك.
ولعل أول ما يَسبِق إلى الذِّهن عند ذِكْر أخلاق الحرب هو القسم الأخير من المنظومة الأخلاقية الإسلامية، والمتعلِّق بالأدب مع الخَلْق؛ بل ربما حصل ذلك في جزئية الأخلاق مع الأعداء والمحاربين فقط، خاصة أن بعضًا من المصنِّفين في مجال الأخلاق قد درج على الاهتمام بإبراز هذا القسم فقط عند تناول الأخلاق بالدراسة والبحث، دون التعرُّض للقسمين الأولين.
وإذا سلَّمنا بإمكانية قَبُول هذا الحصر من الناحية الاصطلاحية، فإننا لا يمكننا إنكار ما يَختزِله ذلك الحصر من قِيم أخلاقيَّة سامية، وما يَغفُله من سلوكيات وممارسات حميدة لا يَكتمِل عقد الأخلاق بدونها، ولا يتَّسِق نظمُها بمَعزِل عنها، بالإضافة إلى ما يصيب هذه الدراسة من قصور وخللٍ حين تَجتثُّ جزءًا لتُعبِّر به عن الكل، أو تقتطع لَبِنة أو لبنات لتقوم مقام البناية جمعاء؛ لأن منظومة الأخلاق في الإسلام مُترابِطة الأجزاء، متكاملة الأعضاء، متَّسِقة الأبعاض، تتداخل جزئياتها، وتتقاطع فروعُها، ولكن بانتظام واتساق، مما يجعل دراسة قسمٍ منها بمَعزِل عن الآخر دراسة قاصرة مُنتقَصة.
والأخلاق في الإسلام تُمثِّل أسسًا وقواعد يَنطلِق منها الفرد المسلم في سلوكيات وتصرُّفات مُنضبِطة في مختلف مجالات حياته، وأدق تفاصيل معيشته، بحيث يَنضبِط ظاهرًا وباطنًا بتلك الأخلاق الصادرة عن نصوص الوحي، الملازمة لأحكام الشريعة في كينونتها ووجودها.
ولذلك آثرتُ إطلاق عَنانَ البحث في رُبُوع الرَّبوة الأخلاقية الإسلامية كلها؛ لأُحلِّق في تلك السماء الرَّحْبة، وأسمو في تلك الجنة اليانعة، مُقتطِفًا من ثمراتها المتنوِّعة، ومجتنيًا من جناها ما يطوله الفِكْر، ويُدرِكه العقلُ، على ما فيه من نقْص وضَعْف.
وفضلَّتُ أن يحتوي البحث في شِقه التطبيقي الواقعي دراسة عن الأخلاق أقسامها وأنواعها؛ لأراعي جانبَ الشمول من جِهَة، ولأحفظ اتساق عِقْد الأخلاق وانتظامه من جهة أخرى، في محاولة لتقديم صورة مُتكامِلة الأجزاء، تَعكِس البُعدَ الخُلُقي الشامل الكامل في المنظومة الإسلامية.