نقدم لكم في هذه المقالة اهم انواع العبادات القلبية وماهو مفهوم كل عبادة منها وتعريفها الشامل من خلال السطور التالية.
العبادات القلبية
العبادات القلبية هي أعظم وأخطر العبادات، فعمل القلب هو الاعتقاد، مثل أن أقول:
أعتقد بقلبي أن الله واحد لا شريك له، وأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى،
وكذا الإيمان بأي صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، فهذا كله عمل قلبي.
ولا ينبغي أن نلتفت لقول بعض الجهلاء الذين يقولون: لا عبرة بموضوع التوحيد؛
لأنه يفرق المسلمين، وأن التوحيد عبارة عن كلام نظري لا يترتب عليه عمل!!
وقد جهل هؤلاء أن مسائل التوحيد يترتب عليها أعظم العمل، ألا وهو عمل القلب الذي هو أصل أعمال الجوارح كلها، والتوحيد هو تطهير للقلب من الشرك الذي هو نجس، كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة:28]،
أهميتها:
من رحمة الله بعباده أن يفتح لهم باب التوبة، وأن يقبل عثرة المذنب، ويفسح له الأمل ولا يوئسه من رحمته ولا يغلق الباب في وجهه.
فقد أمر عباده جميعاً ومنهم المؤمنون بالتوبة فقال: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، والتوبة بحد ذاتها عبادة وذكر ولو لم يكن من المؤمن ذنب ظاهر، فإن الإنابة إلى الله وإظهار الخضوع له وبيان التقصير عن أداء واجب الشكر على نعم المولى جل جلاله. هذه الإنابة إلى الله عبادة، وإظهار هذا الخضوع له عبادة، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مئة مرة».
فإذا كانت مطلوبة من الذي لم يقترف ذنباً ولم تقع منه معصية، فكيف بمن يقع بالذنوب والمعاصي ليل نهار؟ لا شك أن التوبة في حقه أوجب.
لأن المؤمن يدرك أن الذنوب والمعاصي مهلكة له، مبعدة له عن الله عز وجل ورحمته، موجبة لمقت الله له، فيتوب منها لإزالة هذه الحجب والحواجز بينه وبين رحمة ربه.
وإن المؤمن تأتيه فترات غفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى، فعندما يتذكر عليه أن يتوب من تلك الغفلات ويستغفر ربه منها، ولهذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الاستغفار فقال: «إنه يغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة».
وإذا استكملت التوبة شروطها، فليكن المرء على يقين من قبولها، فإن الله سبحانه وتعالى وعد بذلك، ولا يخلف الله وعده، فقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾ [الشورى: 25]، بل إن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عبده فرحاً شديداً، والفرح درجة وراء القبول، فهو دليل على القبول وزيادة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أفرح بتوبة العبد المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش، قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ فإذا راحلته عنده، عليها زاده وشرابه، فالله تعالى أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته». وفي رواية فقال: «أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح».
مفهوم العبادات القلبية
العبادات القلبية هي التي تتعلق بقلب الإنسان من الاعتقاد والتوكل والخشية والإنابة والإخلاص وغير ذلك من العبادات التي تنبعث من القلب، وإن ظهرت آثارها على الجوارح إلا أنها تنسب إلى القلب باعتباره مبعثها، وهي ناشئة منه، وهي لا تقبل النيابة، كيف تقبل النيابة: النية عن فلان، أو الإخلاص عن فلان، أو التوكل على الله عن فلان؟! فهذه لا تقبل النيابة، وإذا قبلت الأعمال البدنية النيابة فإن الأعمال القلبية لا تقبل إلا إذا كانت تابعة لأعمال بدنية، كالنية في الحج مثلاً، حيث يَنوي الحج عن فلان؛ لأن هذه العبادة عبادة في الأصل بدنية تقبل النيابة، ومالية تقبل النيابة، فيتبعها النية عن فلان، ويثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالاً.
أهمية دراسة العبادات القلبية:
– فأما الشرك فإنه تكفي مدارسته ولو مرة واحدة في العمر لكي ينتهي العبد عنه؛ لأنه من النواهي، والسالك إلى الله تعالى لا ينسى ما نهاه الله عنه، فهو دائمًا محل اجتنابه.
– أما مدارسة العبادات القلبية التي هي مقتضيات الإيمان بالأسماء والصفات فإنه ينبغي مدارستها على الدوام وعلى كافة المنابر وفي كل وسائل الإعلام، والعبادات القلبية كثيرة جدًا لا يمكن إحصاؤها؛ لأنه لا يمكن إحصاء الثناء على الله ولا يمكن إحصاء ذكره بأوصاف كماله وعظمته، وبالتالي لا يمكن إحصاء التعبد له بذلك، فالعبادات القلبية ليس لها منتهى.
– لذلك يجب مدارسة العبادات القلبية بين فترة وأخرى؛ لأنها أساس كل عبادات الجوارح، وأنت تحتاج إلى أن تعبد ربك كل يوم، لذلك تحتاج العبادات القلبية كل يوم، بل كل ساعة، ليزداد إيمانك، وتصل إلى رضوانه ﻷ.
– وإنما درجة كل مجتهدٍ في الجنة بقدر ما أتى منها، فلم يسبق السابقون إلا بها، فإنما سبقوا بتوكلهم وإخلاصهم وحبهم وخوفهم من ربهم، وكل هذا من العبادات القلبية ، وكلها مقتضى الإيمان بأسماء الله و صفاته ﻷ.
– فالعبادات القلبية لازمة في عبادة الله، فهي أساس الصلاة والصيام والزكاة والحج.
– والعبادات القلبية لازمة في معاملة الخلق، فهي أساس حسن الخلق والبر والإحسان والصلة والتواضع وعدم الحسد.
– والعبادات القلبية مستمرة في الجنة، فإن أهلها يُلهمون الحمد كما يُلهم أهل الدنيا النَّفَس.
العبادات القلبية.. أين أنت منها؟
على الرغم من أهمية العبادات البدنية إلا أن عبادات القلب قد تكون أكثر أثرًا، وهذا ما يجده من كان قلبه موصولًا بالله عز وجل، فكان يسعى لنيل الأجر بالموازنة بين العبادات القلبية والبدنية، دون إهمال أو تغليب لإحداهما على الأخرى.
وتُعدّ العبادات القلبية من أهم العبادات التي يُطالب بها المسلم، وهي تلك العبادات المتعلقة بالقلب والتي تعكس مدى ارتباط المسلم بربه، ومن أبرزها الإخلاص، والتقوى، والتوكل والخوف والرجاء من الله.
الدكتور والداعية صلاح فرج أستاذ الفقه المساعد بكلية الشريعة والقانون الجامعة الإسلامية قال: إن “العبادات القلبية هي أمور عبادية تتعلق بالقلب، ولها أثر على سلوك الإنسان في حياته، الأمر الذي ينعكس تلقائيًا على المجتمع”.
وأشار في حديث مع “بصائر” إلى أن “للقلب فضائل متعددة، فالتكاليف الشرعية التي أمر بها الله تعالى هي في القلب، كما أنه مهم جداً لتمييز المؤمن من غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأفعالكم)”.
وأضاف: “صلاح القلب يؤدي إلى صلاح الفرد، وهذا يعني صلاح المجتمع، موضحا أن صلاح القلب ينقسم إلى نوعين، أولهما الصلاح المادي والجسدي، والثاني هو الصلاح المعنوي، أي صلاح النفس لتقوم بالمهام التي دعا إليها الله تعالى.
والعبادات القلبية متعددة، منها الإخلاص والتوكل، والخوف والرجاء والتوبة، وهذه أبرز العبادات القلبية التي تختلف عن العبادات التي تتعلق بالجسد من الأفعال الظاهرة كالصلاة والزكاة والحج أو العبادات القولية كالذكر والتسبيح.
وللعبادات القلبية واردات على القلب يحرم على الإنسان أن يرتكبها كالكفر، وارتكاب الكبائر وصغائر الذنوب، بالإضافة إلى وجود واردات على القلب في انشغاله عما أمر به الله تعالى وهذه تكون في التعلق بالدنيا الزائد”.
وقال فرج: “يعيش المسلم تذبذب درجات الإيمان بين القوة والضعف وفق هذه العبادات، فكلما زادت العبادات القلبية كالإخلاص والتوبة من الذنوب فإن المنسوب الإيماني يرتفع عند الإنسان، وبالتالي يصلح حاله وحال المجتمع”.
وأشار إلى وجود عوامل تحيي قلب المسلم، من أهمها ذكر الله تعالى، ففي الذكر إحياءٌ لقلب المسلم، بالإضافة إلى زيارة القبور لاتخاذ الموعظة الحسنة، ورفقة الصالحين والبعد عن أصحاب السوء.
ولكي يبقى القلب معلقًا بالله ويخلص العبادة البدنية والقلبية لربه، على هذا القلب أن يبتعد عما يفسده، ومن هذه المفسدات شغل القلب بغير الله وتعلقه بالغير، وكثرة التخالط مع الناس وإضاعة الوقت، بالإضافة إلى كثرة تناول الطعام والشراب والنوم” وفق الدكتور فرج.
من جهته قال الشيخ والداعية صقر أبو هين: إن الإنسان يتكون من جسد وروح، وعليه توجد عبادات قلبية وأخرى جسدية، وكذلك يوجد الاثنان معًا.
وأضاف أبو هين في حديث لـ”بصائر”: “العبادات الجسدية تتمثل في الصلاة وإماطة الأذى عن الطريق وما نحوها من العبادات التي تعتمد على الجسد عند تأديتها.
وأوضح أن هناك أيضًا عبادات قلبية فقط، مثل الرضا بقضاء الله تعالى، بعد بذل المجهود والسعي والأخذ بالأسباب، مشيرا إلى أن الرضا يكون بكل ما يأتي من عند الله سبحانه وتعالى، كما يُقال الرضا بالموجود بعد بذل المجهود، وكذلك من العبادات القلبية أيضًا التسامح لوجه الله تعالى، مشيرًا إلى أنه يجب الأخذ بالاعتبار أنه توجد أيضًا معاصٍ قلبية، مثل الكبر، فيجب أن نسعى ونجتهد بالعبادات القلبية.
و العبادة القلبية للمؤمن أهم وأعظم من العبادات البدنية ومنها الإيمان بالآخرة، وتهيئة القلب للاستعداد لها، بحيث لا يعمل المسلم أي عمل إلا وينوي به الآخرة.
وتساءل الشيخ أبو هين في هذا الصدد: “من منا استشعر أنه يطيع الله، وهو يقوم بإحضار احتياجات المنزل من غذاء وملبس وأثاث وغيره؟ لأن الله أمره بالنفقة على أبنائه، ومن منا استشعر أن يجعل النوم والأكل لله لأنهما يعينان الإنسان على تحقيق الغاية التي خُلِق من أجلها وهي عبادة الله وطاعته؟”.
ومن الأمور لإصلاح القلب أن يكون خوفك من الله وحده، والخشية والخوف من الله نحتاج إلى مراجعة حياتنا من جديد وتغيير هذه الحياة، بالإضافة إلى الرجاء، فقلوبنا لم تتعلق بالله حق التعلق، و التوكل، فكل منا يعجب بما يمتلكه من شهادات وأموال، ونسي أنها منح من الله، وإذا نظرت إلى الخلق فانظر إلى الجميع على أنهم أحسن منك.
واستدل في معايير التقوى بقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أولئك الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].
ودعا إلى إعادة صياغة قلوبنا ومقاصدنا ونياتنا، واختبار درجة الكبر في نفوسنا وهو: “بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس” هل نجحد ونرد الحق أو نحتقر الآخرين، وننتقصهم، وذلك كحال من يترفّعون على عمَّال النظافة متناسين بأنهم مثلنا، وبأن الله قادر أن يجعلنا مكانهم.