سنتعرف في هذه المقالة على اهمية الوقف وماهو تعريف الوقف ومفهومة الصحيح من خلال هذه السطور.
الوقف الخيري:
هو ما جعل على جهة من جهات الخير والشر وخصص ريعه للصرف عليها، فإذا وقف أرضا أو مشروعا لينفق من غلته على مسجد أو مستشفى أو معهد علمي أو مدارس تعليم الشريعة، والمراكز الإسلامية، والثكنات للمرابطين في الثغور، أو كفالة الفقراء والمساكين، وطلبة العلم النافع ومعلميهم، أو يتامى المسلمين أو كذلك دعم الدعوى الإسلامية وغير ذلك من وجوه البر العامة والخاصة، اعتبر الوقف لهذه الجهات وقفا خيريا
الوقف في الإسلام
انفردت الحضارة الإسلامية بمميزات وخصائص متعددة قريبة من روح وفطرة الإنسان، كمخلوق كرمه الله سبحانه وتعالى، ويعتبر الاتجاه الخيري هو السمة المميزة التي تتسم بها منظومة الخصائص، حيث يأبى الإسلام أن يترك المحتاجين وذوي الفاقة والحاجة يواجهون صعوبات الحياة دونما أي تدخلات من المجتمعات والدول وأهل الخير. لقد أوجب الإسلام التكافل الاجتماعي، وجعله مطلباً في ذمة المجتمعات والدول على حد سواء يتوجب القيام به وأدائه على أحسن وجه، وما نظام الوقف الإسلامي إلا معلم من تلك المعالم الإنسانية الرائدة، التي تميزت بها الحضارة الإسلامية على مر التاريخ. وحينما حث الإسلام على هذا المبدأ الخيري والإنساني، فإنه قد بين الموارد الأساسية لتلك الاحتياجات والمطالب، مثل الزكاة والصدقة والوقف والغنائم والكفارات والنذور وغيرها. ومع أهمية كل ما سبق من موارد، فإن الوقف بمواصفاته ونمطه المميز، يظل المنهج الفريد المتميز، الذي يتسم بإنسانيته وخيريته الاستثنائية والتي تتميز به الحضارة الإسلامية والتشريع الإسلامي، وقد ظهرت آثاره العملية في مجالات متعددة شملت الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية عامة والفئات المحتاجة خاصة.
لا يخفى على أحد ما للوقف من مكانة عظيمة وآثار حميدة عن المسلمين، وصلة قوية بواقعهم وماضيهم على مر العصور، وهذا ما جذب اهتمام العلماء سلفاً وخلفاً وأولوه عناية فائقة، وكان عندهم محل رعاية متواصلة، وبينوا أحكامه، وأبرزوا رسالته الدينية، وأهميته الاجتماعية في حياة المسلمين، استقاءً من اعتباره أحد الأعمال الخيرة التي نادى بها الإسلام وشرعها، والتي تعد من الطاعات والقربات التي دعا إليها ورغب فيها. فنظام الوقف يعتبر من المصادر الهامة والرئيسة لحيوية المجتمع الإسلامي وفاعليته، وتجسيد حي ومباشر للقيم التي يتبانها الإسلام والهادفة إلى التكافل الاجتماعي وترسيخاً لمفهوم الصدقة الجارية من خلال رفدها للحياة في المجتمع الإسلامية بمنافع تتسم بالاستمرارية والتجدد، وتواترها بين الأجيال حاملة مضامينها في سلوكيات عملية تظهر من خلالها وعي أفراد المجتمع الإسلامي بمسؤوليتهم الاجتماعية، وزيادة مستوى اللُحمة والإيمان والانصهار بقضايا إخوانه المسلمين، ويجعلهم في حركة مستمرة ودؤوبة تجاه همومهم واحتياجاتهم.
إن الوقف في الإسلام هو نوع من أنواع الترابط والتراحم الاجتماعي، وصلة لربط السلف بالخلف، وسبيلا لأعمار المؤسسات الخيرية الاجتماعية والاقتصادية المختلفة كالمساجد والمدارس والمكتبات والأربطة والمصحات والأسبلة وبيوت الفقراء وغيرها، وهو مظهر من مظاهر الحيوية الاجتماعية وتعبيرًا واقعيًا عن النزعة التكافلية التي حضت عليها التشريعات الإسلامية، إلى جانب أن للوقف دور كبير في حماية الأسرة والمحافظة على تماسكها باعتبارها الوحدة الرئيسية في التنظيم الاجتماعي. وبغض النظر عن التطوير المستمر لهذه المؤسسات إلى صيغ أكثر تجددًا ومواكبة لمفاهيم العصر الذي توجد فيه، إضافة إلى الاختلافات في كمية وكيفية تقديم الخدمات الاجتماعية بين مؤسسة وأخرى، إلا أن توفير العلاج والغذاء ومياه الشرب والمأوى والملبس والمأمن والتعليم والمساعدات الخاصة هي في ذاتها خدمات تلبي احتياجات لا غنى عنها للمجتمع، خاصة على مستوى الأسر الفقيرة لرفع مستواها الاقتصادي والعلمي والفكري ولضمان استمرار وظيفتها الاجتماعية تماشياً مع ما نادت به الشريعة الإسلامية.
أهمية الوقف في الإسلام
أعطى الإسلام لنظام الوقف أهمية كبيرة، جعلت الجميع يتسابق إلى تحصيل ثوابه بشتى الوسائل والسُبل؛ فالوقف سبيل لخدمة الدنيا بصحيح الدين؛ لصيانة البشرية بحماية المجتمع من مخاطر الحقد والحسد والكراهية ونشر الفوضى، بانتشار السرقة والسلب بالإكراه، فكان الوقف لتجفيف منابع جرائم تقع بسبب حاجة المحتاج؛ فتلجئه إلى الانحراف، وتدفعه إلى ارتكاب ما حرم الله تعالى.
الإسلام جعل من الوقف حماية للمجتمع، وسبباً للتماسك بين أفراده، وسبيلاً إلى سل سخائم الحقد والكراهية، بغرس عوامل التعاون والتعاضد، وكلها فروض تلزم بالوقف الضامن لقدسية المال الخاص؛ الذي يكون من نصيب الأغنياء والأثرياء، وهو المحافظ على روح المحتاج من الجوع والفقر والمرض؛ لذا تعددت وجوه البر وعمل الخير وصنوف الإنفاق التي توضع في مواضعها؛ بحيث لا تؤخذ من القادرين الموسرين الأثرياء كالزكاة؛ بل يخرجونها هم بمحض الرغبة في فعل الخيرات، يفيد منها أصحاب الحاجات كافة؛ من فقراء وطلاب علم وأرامل وأيتام وأبناء سبيل.. إلى سائر الأعمال التي تخدم العامة؛ كالمساهمة في بناء المساجد، والمدارس، والمساكن، وشق الترع، وحفر الآبار، وإماطة أذيات الطريق. دعا الإسلام إلى التعامل بنظام الوقف، وجعله تعاوناً ملموساً بمنطق الدين وعاطفة الإنسانية التي تؤكدها الفطرة السليمة، وترتب عليها جزاء الإحسان الإلهي، سواء أكان ذلك في الدنيا أو الآخرة، ثواباً حسناً من عند الله، ومكافأة ربانية بالقرض الحسن أو المضاعفة بالأجر.
فالحسنة بعشر أمثالها وزيادة لا نقصان، فما عند الله هو خيرٌ أملاً، وأبقى ازدهارًا وتنمية، مصلحة متداخلة مع المحتاجين والفقراء والمساكين، وإصلاح الأبنية والسبل ودور العبادة، وإيواء المهاجرين، سواء في المناطق المنكوبة، أو المُمتحنة بتقلبات الطبيعة صيفاً وشتاء.
لقد جعل الإسلام الوقف في منزلة كبرى، بل جعله من أولويات المجتمع المسلم؛ فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من أوقف في الإسلام أرضاً على فقراء المسلمين، تلاه عثمان بن عفان الذي اشترى بئر “رومة”، وأوقفها على سقيا الناس، فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم نظام الوقف، وطبقه التطبيق العملي في بناء مسجد قباء بأموال المسلمين، كما قال جابر بن عبدالله: “لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا مقدرة إلا وقف”.
فالوقف يسد كبار الاحتياجات، ويعطي الأمل للمحتاج، ويرفع المجتمع من وهدة السقوط في مساوئ الأخلاق والأعمال، وينهض به بروح التعاون؛ وينزع الأحقاد.
لقد شُرع الوقف من أجل المنفعة العامة والخاصة، فحينما يشعر الفقراء والمحتاجون وأصحاب الطلبات المعاشية المأزومة بقلة الموارد، وتضغطهم الحياة، يجدون في الوقف متنفساً حيث يقدم لهم العون، ويشعرون بالتضامن.
*- أصل مشروعية الوقف
إذا رجعنا إلى الأصول الشرعية للوقف وجدنا أن الفقهاء قد استندوا في تأصيلهم له إلى أدلة كثيرة من القران الكريم والسنة النبوية والإجماع، وهذه الأدلة وإن كانت لا تدل على موضوع الوقف بصفة مباشرة فإنها تحث على أعمال البر والخير.
*- الأدلة من القرآن الكريم
آيات كثيرة تحث على عمل الخير وإعطاء الصدقات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل كقوله تعالى: ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).، وقوله تعالى: ( وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون).وقوله عز وجل ( وما تفعلوا من خير، فلن تكفروه)،وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) وقوله عز وجل: (لن تناولوا البر حتى تنفقوا مما تحبون). كما قال تعالى في موضع آخر:(وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون).
*- من السنة النبوية
أثرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث تشير إلى مدى أهمية الوقف منها ما روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”
وفي السنة النبوية ما روى نافع بن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر أرضا بخيبر، فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) يستأمره فيها قال: يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر، لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه، فقال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت).
وقد فسر العلماء الصدقة الجارية بأنها الوقف لأن غيره من الصدقات لا يكون جاريا :أي مستمرا على الدوام.
كما أخرج ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن مما يخلف المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما نشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لأبناء السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته”.
*- من وقوفات الرسول صلى الله عليه وسلم
أول صدقة موقوفة في الإسلام، أراضي مخيريق اليهودي التي أوصى بها للنبي (صلى الله عليه وسلم) فأوقفها النبي عليه السلام. فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وقف أرضا له في سبيل الله. وروي عن عمر وابن الحارث بن المصطلق، أنه قال: “ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا تركها صدقة.”
روي عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سبع حيطان له بالمدينة صدقة على بني عبد المطلب وبني هاشم”.
روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “من احتبس فرساً في سبيل الله، إيمانا واحتسابا، فإن شبعه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة حسنات”
*- وقوفات الصحابة
كما ثبت الوقف عن الصحابة الكرام أمثال عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعلي كرم الله وجهه، فقد قال: “لقد رأيتني وأنا رابط الحجر على بطني من الجوع، وأن صدقتي هذه لتبلغ اليوم أربعة آلاف درهم”.
بالنسبة لوقف أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وموافقته عليه السلام على ذلك:
ما أخرجه البخاري “عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمرا أصاب بخيبر أرضا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث في الفقراء والقربى والرقاب، وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا غير متمول فيه”
– ما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه: ” أن علي بن أبي طالب، قطع له عمر بن الخطاب ينبع ثم اشترى علي إلى قطيعة عمر أشياء، فحفر فيها عينا، فبينما هم يعملون، إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فأتى علي وبشر بذلك، قال: بشر الوارث، ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين وفي سبيل الله وابن السبيل، القريب والبعيد، وفي السلم، وفي الحرب، ليوم تبيض وجوه، وتسود وجوه، ليصرف الله بها وجهي عن النار، ويصرف النار عن وجهي “أخرجه البيهقي.
ما روي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنه قال: “لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أمر بالمسجد، وقال: يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى” .
– عن سعد بن عبادة (رشضي الله عنه) أنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، فحفر بئراً، وقال: ” هذه لأم سعد”.أخرجه أبو داود والنسائي. آراء المذاهب الفقهية في ملكية الموقوف
الاتجاه الأول :يرى أن ملكية الموقوف تبقى ثابتة للواقف وتقيد هذه الملكية بعدم التصرف في رقبتها بأي نوع من أنواع التصرف، وهذا هو اتجاه الإمام مالك ومن تبعه.
الاتجاه الثاني :يرى أن ملكية الموقوف تنتقل من الواقف إلى الموقوف عليهم، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل ومن نحا نحوه.
الاتجاه الثالث:يرى أن ملكية الموقوف تنتقل من الواقف إلى الله عز وجل، وهو مذهب الإمامين الشافعي وأبي حنيفة. يقول ابن حزم: (إن الحبس ليس إخراجا إلى غير المالك بل إخراج إلى أجل المالكين، وهو الله سبحانه وتعالى).
حكمة مشروعية الوقف
إن إعطاء المنفعة للموقوف عليه يكون على أساس مساعدته صونا لماء وجهه وحفظا لكرامته وذلك من أجل التقرب إلى الله عز وجل. وهذا الإعطاء هو الذي يعبر عنه بالصدقة التي حث عليها النبي عليه السلام، فالصدقة التي يراد بها الوقف تبقى مستمرة العطاء بينما الصدقة التي لا يراد بها ذلك تنقضي ويحتاج الفقراء إلى صدقات مثلها.