تعريف التسامح السياسي وماهو مفهوم التسامح السياسي واهميته في حياة الفرد والمجتمع سنتعرف على ذلك في هذه السطور التالية.
محتويات المقال
التسامح
التسامح في اللغة أصله: سَمَحَ، وهو مفهومٌ يعني العفو عند المقدرة؛ وعدم رد الإساءة بالإساءة؛ والترفع عن الصغائر؛ والسمو بالنفس إلى مرتبة أخلاقية عالية؛ فهو مفهوم أخلاقي اجتماعي؛ دعا إليه كافة الرسل والأنبياء والمصلحين؛ لما له من أهمية كبرى في تحقيق وحدة وتماسك المجتمعات؛ والقضاء على الخلافات بين الأفراد والجماعات، والتسامح يعني احترام ثقافة وعقيدة وقيم الآخرين، وهو ركيزة أساسية للعدل والحريات الإنسانية العامة.
والتسامح في الإسلام يعني نسيان إساءة الماضي بكامل إرادتنا، وهو أيضًا يعني التخلي عن رغبتنا في إيقاع الأذى بالآخرين لأي سبب قد حدث في الماضي، وهو رغبة قويّة في أن نفتح أعيننا لرؤية مزايا الناس بدلًا من أخطائهم؛ ومن أن نحكم عليهم ونحاكمهم؛ أو ندين أحدًا منهم.
والتسامح قد يقلل كثيرًا من المشاكل التي تحدث بين الأقران والأحبة؛ الناتج عن سوء الظن وعدم التماس الأعذار. فقد يكون لك صديق أو أخ، صدر منه تصرف غير مناسب خطأ، فتقوم عليه الدنيا ولا تقعد، ثم يبدأ الشيطان يوسوس بأنه لا بد فعل كذا لأنه يريد كذا من السوء، أو قال كذا يقصد كذا من السوء، وهو قد يكون ما قال تلك الكلمة لشيء ولا لسبب، إنما خرجت منه دون قصد، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يومًا “إذا سمعت كلمة تؤذيك فطأطئ لها حتى تتخطاك”.
مفاهم التسامح المختلفة
– التسامح في الدين الإسلامي : يعرف التسامح في الإسلام بأنه المبدأ الإنساني الذي يحث الإنسان على نسيان ما مضى من الأحداث المؤلمة والأذى الناتج عن بعض المواقف بإرادته ، والعزوف عن فكرة الإنتقام ، بالإضافة إلى التفكير الإيجابي تجاه الآخرين ، والحرص على عدم إصدار أحكام عليهم أوإلقاء التهم ، وأخيرا الإيمان بأن البشر خطائون وعلينا التماس الأعذار والشعور بالرحمة والعطف .
– مصطلح التسامح : يعني التسامح اصطلاحا القدرة عن العفو عن الآخرين ، وعدم مقابلة الإساءة بإساءة مثلها ، والحرص على التمسك بالأخلاق الراقية التي حث عليها جميع الرسل ، الأنبياء والأديان ، مما يعود على المجتمع بالخير عن طريق تحقيق التضامن والوحدة بين أفراده ، وتحقيق المساواة والعدل والحرية خلال احترام العقائد والثقافات المختلفة .
– التسامح لدى حقوق الإنسان : يعتبر التسامح أحد القيم المتعلقة بالحقوق التي يتمتع بها النظام الديموقراطي مثل حرية التعبير عن الرأي ، المساواة أمام القانون ، احترام الأقلية ، حقوق الأسرى وعدم إلحاق الأذى بهم ، والتسامح هنا يشير إلى تقبل اختلافات الصفات الإنسانية ، الخلقية والفكرية ، والإقرار بحقوق جميع الأفراد مع اختلاف طوائفهم ، واحترام آراء الآخرين وعدم التعدي عليهم .
أنواع التسامح
– التسامح الديني : يشمل التسامح الديني التأقلم مع جميع أصحاب الديانات السماوية ، وعدم التعصب لهم أو حرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية .
– التسامح العرقي : يعني تقبل الآخرين حتى مع اختلاف اللون ، العرق والأصول .
– التسامح الفكري والثقافي : يعني البعد عن التعصب لفكرة ما ، وتقبل فكر ومنطق الأشخاص الآخرين ، والتزام الأدب الحواري والتخاطب .
– التسامح السياسي : ويشير إلى ضمان الحرية السياسية بمختلف أنواعها الفردية والجماعية ، ليسود منهج أو مبدأ الديموقراطية .
التسامح السياسي
تعتبر التربية على التسامح السياسي والتعايش السلمي غاية إنسانية نبيلة تسعى البشرية لتحقيقها على امتداد تاريخها الحضاري. فهي دعوة للسلام مع الذات والأخر. وهي تنطلق من الدائرة الأوسع أي الدول والشعوب إلى الدائرة المتوسطة أي الجماعة فالأصغر أي الأسرة وصولاً إلى الإنسان نفسه. فلا تتحقق قيمة الإنسان ولا يشعر بحياته ما لم يشعر بالسلام والتقبل والتفهم من الآخرين له. ويعتبر التسامح مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان حيث يتضمن الحرية والمساواة. وهو نابع من السماحة أي اعتراف بثقافة الآخر.
والتسامح على أنواع وفقاً لما يراه “فهد إبراهيم الحبيب” في كتابه “الاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة” منها: التسامح الديني الذي يسمح بالحرية والتعددية الدينية ولا يجعلها أساساً للإقصاء والتهميش. والتسامح العرقي الذي يترتب عليه التخلي عن الميز العنصري بسبب اللون أو الجنس. والتسامح الفكري مع الأطروحات والاتجاهات والأيديولوجيات دون تعصب أو اصطفاف. والتسامح السياسي وهو ما يعني ضمان الحقوق للأفراد من قبل السلطة وفيما بينهم داخل المجتمع.
وإذا جئنا إلى مفهوم التسامح في الإسلام نجد أنه نال عناية بالغة، خلافاً لسلوكيات كثرين ممن ينسبون أفعالهم للدين الإسلامي اليوم، حيث دعا إلى التسامح كونه سُنّة وجودية قائمة على طبيعة الاختلاف والتنوع بين بني البشر. قال تعالى: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا). (الحجرات:13). والاختلاف الذي قرّره القرآن هو تنوع في الأمزجة والطباع والميول والاتجاهات والمواقف. ونجد انعكاسا لهذا التنوع في التعدد الديني والممارسات الدينية من طقوس وشعائر. كما نجده في المنطلقات الفكرية. وهو تنوع يفترض انه يثري التفكير والتكامل ويحفز على الاطلاع وتحمل المسؤوليات. وقد أشار القران الكريم الى هذا الحقيقة الكونية والاجتماعية، حاثّاً من خلالها الى احترامها وتقديرها بالتعارف والتعايش والتعاون والتكامل، بقوله: (ولو شاء ربّك لجعل الناس أُمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين). (هود:118)
التعريف الشامل للتسامح
1- التسامح هو الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال، وحرية الفكر والضمير والمعتقد، والوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضاً، والتسامح هو الفضيلة التي تيسر قيام وقيم السلام، وتسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب.
2- لا يعني التسامح المساواة أو التنازل أو التساهل، بل هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته المعترف بها عالمياً، والتسامح هو ممارسة يجب أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول.
3- إن التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية، بما في ذلك التعددية الثقافية، والديمقراطية وحكم القانون، وهو ينطوي على نبذ الوثوقية (الدوجماتية) والاستبدادية، ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
4- لا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهي لا تعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي الفرد عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل تعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته، وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم. والتسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش معاً بسلام، وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهو يعني أيضاً أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض على الغير.
أهمية التسامح للفرد والمجتمع
– يساعد الفرد على التخلص من أخطاءه والشعور بالإحراج والذنب ، حيث يمكنه مسامحة نفسه وتصيح الأخطاء التي ارتكبها .
– يزيد من رقي الأشخاص الذين يقابلون الإساءة بخلق التسامح ، ويصبحوا مليئين بالخير ، ويمتلكون نفسية سوية طبيعية بعيدا عن ما تحمله بعض النفوس من الكره والحقد والأمراض النفسية .
– يساعد التسامح على الحد من المشاكل بين المحبين والأصدقاء ، والتي تنتج عن سوء الظن وعدم إلتماس الأعذار .
– يجني الشخص المتسامح ثواث عظيم من الله عز وجل ، ويعفو عنه أخيرا .
– يعمل على تحقيق القدرة على التعايش بين الشعوب والأفراد عن طريق تقبل الإختلاف والحفاظ على حقوق الآخرين ، بعيدا عن الصراعات وانتشار الحقد والكراهية العنصرية .
– يمكن تحقيق المصالح العامة في المجتمع ، التي تعم بالتالي على الأفراد، حيث يتم ذلك خلال طرق قانونية سليمة .
– يزيد من أهمية الثقافة والعلم ، ويساعد على تفعيل الحوارات البناءة ، فيهتم الأفراد بتحقيق أعلى مراتب التعليم والثقافة ، عن طريق الطرق السليمة بدون تعدي على حقوق الآخرين .