اليكم في هذا الموضوع تعريف توحيد الربوبية وماهو مفهومها الشامل واهمية توحيد الربوبية.
توحيد الألوهية
توحيد الألوهية هو أصل الدين، وأساس شرائع الإسلام، وهو أحد الأقسام الثلاثة التي يُقسم إليها التوحيد الإسلامي حسب تقسيم بعض العلماء وهي: الألوهية والربوبية والأسماء والصفات؛ فناسب بيان مفهومه وفضائله، مع بيان أقسام التوحيد الثلاثة للتفريق بينهما.
معنى العبادة
ذكر الرازي في تفسيره معنى العبادة فقال” العبادة عبارة عن كل فعل وترك يؤتى به؛ لمجرد أمر الله تعالى بذلك، وهذا يدخل فيه جميع أعمال القلوب وأعمال الجوارح”. ووافق الرازي في تعريفه ما ذهب إليه الشافعي، حيث يرى أن العبادة كل ما أمر الله به فعلا، وكل ما أمر بالكف عنه تركا، فقال كما في الرسالة: “وابتلى طاعتهم بأن تَعَّبدهم بقول وعمل وإمساك عن محارم حماهموها”.
الأدلة على توحيد الربوبية:
قول الله تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4].
وقول الله تعالى: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102].
وقول الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31].
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «السَّيِّدُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى».
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»
خصائص توحيد الربوبية
الإقرار القاطع بأن الله وحده هو خالق هذا الكون والمتصرف فيه، وهو من بيده الرزق وهو وحده القادر على فعل أي شيء، وأن الله وحده هو الذي يحيي ويميت ويجيب دعوة المضطرين، وبيده الخير ووحده هو مدبر هذا الكون ولا شريك إلا له في الملك.
الإيمان بشكل كامل بوجود الله.
الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية
إذا نظرنا إلى الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية سنجد أن مفهوم توحيد الربوبية تختص بأفعال الله في خلقه للكون وتصرفه فيه ووحده مدبر هذا الكون، أما عن توحيد الألوهية يركز على أفعال العباد من الإنس والجن، فبعد اقتناعهم التام وإيمانهم بوجود الله وهو وحده خالق هذا الكون ينعكس هذا الاعتقاد على عبادتهم التي يجب أن تكون لله وحده.
من خلال الفقرة السابقة يمكننا في إيجاز استخلاص الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فالألوهية ترتبط فقط بأفعال الله في الخلق والرزق، أما الألوهية ترتبط بأفعال عباد الله في عبادة الله وحده بعد تمام يقنيهم بوجوده وتفرده في خلق الكون.
دليل توحيد الربوبية
ذُكر توحيد الربوبية في الكثير من سور القرآن الكريم للدلالة على عظمة الخالق، من أبرزهم سورة يونس في قوله تعالى ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)، ففي تلك الآية ذكر الله عز وجل قدرته على رزق الخلق في السموات والأرض وهو وحده من يملك سمع وأبصار الخلق، ووحده القادر على إخراج الحي من الميت والميت من الحي وتدبير أمر عباده.
قوله تعالى في سورة الأعراف (إنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، وهى من الآيات التي تبرز عظمة الله أيضاً في قدرته على خلق السموات والأرض في ستة أيام وتسخير الشمس والقمر والنجوم، فهو وحده الخالق لهذا الكون والمتصرف فيه، وهى من بين صفات ربوبيته.
قوله تعالى في سورة القصص (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، فمن أبرز صفاته الله عز وجل في الربوبية أنه وحده القادر على الاختيار لخلقه ما يشاء.
مفهوم توحيد الألوهية
عرف العلماءتوحيد الألوهية بتعريفات متقاربة، إلا أن بعضها قد يكون أطول من بعض، فمن تلك التعريفات مايلي
1- هو إفراد الله بأفعال العباد.
2- هو إفراد الله بالعبادة
3- هو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة؛ الظاهرة، والباطنة، قولاً، وعملاً، ونفي العبادة عن كل من سوى الله تعالى كائناً من كان
4- وعرفه عبد الرحمن بن ناصر السعدي تعريف جامع ذكر فيه حد هذا التعريف، وتفسيره، وأركانه، فقال: “فأما حدُّه، وتفسيره، وأركانه فهو أن يعلم، ويعترف على وجه العلم، واليقين أن الله هو المألوه وحده المعبود على الحقيقة، وأن صفات الألوهية ومعانيها ليست موجودة بأحد من المخلوقات، ولا يستحقها إلا الله تعالى. فإذا عرف ذلك واعترف به حقَّاً أفرده بالعبادة كلها؛ الظاهرة، والباطنة، فيقوم بشرائع الإسلام الظاهرة: كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين, وصلة الأرحام، والقيام بحقوق الله، وحقوق خلقه. ويقوم بأصول الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره لله، لا يقصد به غرضاً من الأغراض غير رضا ربِّه، وطلب ثوابه، متابعاً في ذلك رسول الله، فعقيدته ما دل عليه الكتاب والسنة، وأعماله وأفعاله ما شرعه الله ورسوله، وأخلاقه، وآدابه الاقتداءُ بنبيه ،في هديه، وسمته، وكل أحواله
قال حافظ الحكمي عن هذا النوع في منظومته سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد
هذا وثاني نوعي التوحيد **** إفرادُ ربِّ العرش عن َندِيدٍ
أن تعبد الله إلهاً واحداً **** معترفاً بحقه لا جاحد.
تعريف توحيد الربوبية
توحيد الربوبية يعني الإقرار بأنَّ الله سبحانه وتعالى هو ربّ كل شيءٍ ومليكه، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، والنافع، والضار، والمتفرّد بإجابة دعاء المضطرين، والإقرار أيضاً بأنّ الأمر كلّه لله، وأنّه بيده الخير كلّه، وأنّ الله هو القادر على ما يشاء، وليس له في ذلك أي شريك، أو نظير.
الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية
التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وهذا ما يتضمنه توحيد الألوهية، ولكن لا يمكن للإنسان أن يتوجه لله وحده بالعبادة إلا بعد أنّ يؤمن يقيناً بأنّ الله سبحانه وتعالى هو المتصرف في الكون؛ بالخلق، والإيجاد، والرزق، وبعد أن يستقر في قلب المؤمن أنّ النفع والضر كلّه بيد الله وحده لا شريك له، وأنّ الله الذي خلق الكون، وخلق الإنس والجن، وجعل الهدف من خلقهم عبادته سبحانه؛ فالله سبحانه وتعالى يقول في مُحكم التنزيل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)،
هكذا يتّضح الفرق بين كلٍ من توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فالربوبية تتعلق بأفعال الله الخالق، المُتصرّف، والمُصرّف لشؤون جميع الخلق، والألوهية تتعلق بأفعال الإنس والجن، وعباداتهم التي يجب أن تتوجه حصراً وبكل إخلاصٍ لله وحده لا شريك له؛ بما أنه هو المُدبر، والمصرّف لشؤون الكون وما فيه من مخلوقات.
توحيد الربوبية في القرآن الكريم
تزخر سور القرآن الكريم بالآيات التي تتناول موضوع توحيد الربوبية، ومن الآيات التي تتحدث عن توحيد الربوبية:
قوله تعالى: (إنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، فالآية الكريمة تدل على أفعال الله تعالى، حيث خلق السماوات والأرض، وله وحده الخلق والأمر، وهذه الصفات كلها تدل على الربوبية، وهذه الأفعال أيضاً من لوازم ربوبية الله على خلقه.
قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)، والأفعال المتعددة من الرزق، وملك السمع والبصر، وإخراج الحي من الميِّت، والميِّت من الحي، وتدبير الأمر، كلها أفعال تدّل على توحيد الربوبية، وتفرد الله تعالى في تدبير وتصريف أمر الخلق جميعاً.
قوله تعالى: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، ولطف الله من تدبيره وتصرفه سبحانه، والذي لا ينبغي لأحدٍ غيره، وهو من لوازم الربوبية.
قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، فالخلق، والإيجاد، واختيار ما يشاء لخلقه؛ من لوازم ربوبيته سبحانه وتعالى.
إقرار مشركي العرب بالربوبية
كان مشركو العرب يقرّون بتوحيد الربوبية، وكانوا يؤمنون بأنّ الله هو الخالق، ومع ذلك كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى، حيث كانوا يقرّون بأن الله هو الخالق، وأنّ ما يعبدونه من أصنام لا تشارك الله في الخلق، وأنّ خالق الأرض والسموات هو الله وحده، يقول تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، ويقول تعالى: (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)، فكان مشركو العرب مُقرّين بالربوبية، إلا أنّهم كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى، وهذه هي المشكلة العقائدية عندهم، حيث إنّهم لم يكونوا مقرّين بالألوهية؛ بل كانوا يعبدون مع الله آلهةً أخرى؛ ويدَّعون أنّهم يعبدونها لتقربهم من الله تعالى،يقول الله تعالى عنهم: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ).