اليكم مقالة شاملة حول تكوين الاسرة في الاسلام وماهو دور الاسرة في الاسلام والمجتمع ككل.
تعريف الأسرة
تُعرَفُ الأسرةُ بأنَّها الرِّباطُ الشَّرعي والاجتماعي الذي يَجمَعُ رجلاً بامرأةٍ بعلاقةٍ غريزيَّةٍ شرعيّة تَضمنُ للطَّرفينَ حقوقهما والتزام كلِّ طَرفٍ بواجباتِه، ثمَّ تتَّسِعُ لتشمَلَ ذريَّة الطَّرفينِ وأقارب كلٍّ منهما؛ فهيَ مؤسَّسةٌ اجتماعيَّةٌ قائمةٌ على مبدأ الشَّراكةِ بين جنسينِ لتُوفِّرَ لكلٍّ منهما حاجاتِه البيولوجيَّةِ والغريزيَّةِ ضِمن حدودِ الدِّينِ والقانون، فتَمنحُ الأطرافَ حقوقَهم في الرِّعايةِ والأبوَّةِ لِتبدأ الشَّراكةُ بالتَّوسُّعِ بالإنجابِ ودُخولِ شُركاءَ جُدد لِتسمَّى الأسرة عندها بالأسرةِ النَّواة، ويُمكِنُ اعتِبارُ أقاربِ الطَّرفينِ من أصولٍ وفُروعٍ وقراباتٍ ضمنَ مُكوِّناتِ الأسرةِ أيضاً لتكونَ الأسرةُ النَّواةُ مُحتواةً بأسرةٍ أخرى تضمُّ عناصِرَ وعلاقاتٍ أكثرَ توسَّعاً تُسمَّى حينَها الأسرةُ المُمتدَّة.
وظائف الأسرة
كانت الأسرةُ قديماً تَعتَمِدُ اعتماداً كلياً على الطَّبيعةِ وظُروفِها لتوفيرِ لُقمَةِ العيشِ لضمانِ استمرارِ بقائها في حدودٍ جغرافيَّةٍ معيَّنة، وكانت الأسرة تتماشى مع التغيُّراتِ والتَّفاعلاتِ البيئيَّةِ والطَّبيعيَّةِ بالارتِحالِ والتكيُّفِ واعتمادِ نمطٍ معيشيٍّ مُعيّنٍ يضمن أمنَ الأسرةِ البيولوجيِّ والأمنيِّ على حدٍ سواء، ومع تطوُّرِ الحياةِ وازدِهارِ الحَضارات، بَدَت الاحتياجاتُ الأسريَّةُ أكبَرَ من ذي قَبل؛ فالضَّروراتُ تتوسُّعُ وتزدادُ والمُتطلَّباتُ متغايرة، وأصبحت الحاجةُ لتكوينِ الأسرةِ لا تتوقَّفُ على الغذاء والحمايةِ والإنجابِ كما كانت سابقاً، بل أصبحت وظائفها أكثر توسُّعاً وأشمل اختصاصاً وشموليَّة. أصبح على الأسرة -في الوقت الحالي- تخطيطُ جميعِ مُدخَلاتِها البيئيَّةِ والفطريَّةِ وتفاعلاتِها السُّلوكيَّةِ والأمنيَّةِ والتَّربويَّةِ وحتَّى الاجتماعيَّةِ لِضمانِ الاستِقرارِ البيولوجيِّ والاجتماعيِّ والأمنيِّ، ثمَّ مع استمرارِ التطوُّرِ والازدهار، وتوسُّعِ المَناطق المعيشيَّةِ إلى مناطِقَ مُتخصِّصةٍ بتنظيمِ السَّكنِ والمعيشة كما في القرى والمدن والبلدان، اختُزِلت وظائفُ الأسرةِ شيئاً فشيئاً لِتعاوِدَ حاجَتها ووظيفتَها للمتطلَّباتِ الثَّلاثِ الأولى، وكانَ ذلك بداعي الاعتِمادِ على المَنظومةِ الأوسعِ والأشملِ وهي المُجتمعُ وأنظِمته ومؤسساته.
عناصر العائلة وطبيعة العلاقات بين أعضائها
تتكون العائلة بادئ ذي بدء من رجل وامرأة يلتقيان بالشكل المشروع فيكونان زوجين، كلّ منهما يكمل النصف الآخر لصاحبه، وبذلك يصبح لكلّ منهما حقوق وواجبات بعد تكوّن هذه العلاقة وإنشائها بشكل مشروع. ثمّ تتكامل هذه العائلة البسيطة المكوّنة من عضوين وترتقي بالإنجاب إلى استضافة عنصر ثالث أو أكثر فتصبح العلاقة الزوجية ذات طرف جديد ينتسب إليهما بالبنوّة. وحينما يتعدّد الأولاد تستحدث بينهم رابطة الأخوة أيضاً بالإضافة إلى ما سبق من علاقات بين الأعضاء.
وفي كلتا المرحلتين (مرحلة الإنشاء ومرحلة التطوير) لابدّ لهذه المؤسسة من إدارة تقوم على أساس من رعاية الحقوق وأداء الواجبات تحقيقاً للأهداف المنشودة في أصل تكوين هذه المؤسسة الاجتماعية حسب الرؤية الاسلامية للحياة ودور الإنسان في هذه الحياة الدنيا.
الخطوط العريضة لنظام الأسرة في التكوين الاجتماعي الإسلامي
إن كلّ الأحكام والقوانين الّتي وردت في سور قرآنية شتى وتشكّل مجموعة من القوانين الشاملة للنظام الأسري أو العائلي في الإسلام بالإمكان أن نصنّفها في محاور ثلاثة.
1 . محور تكوين الأُسرة.
2 . محور ادارة الأُسرة.
3 . محور انحلال الأُسرة.
ولكلّ محور متطلباته الخاصة به من أجل تحقيق الأهداف التي مرّ ذكرها والوصول إلى النظام الاجتماعي النموذجي الذي جاء به الإسلام. وإن رسالة الحقوق للإمام زين العابدين”ع” تتضمن الحقوق والواجبات المتبادلة بين أعضاء الأسرة، وبين كل فرد مع سائر عناصر المجتمع بعد أن تبين العلاقة بينه وبين ربه من جهة وبينه وبين نفسه من جهة أخرى. وبهذا تجسّد الخطوط العريضة للنظام العائلي، كما أنّها تمثل المنطلقات العامة لتفاصيل الأحكام التي تنتظم بها هذه المؤسسة الاجتماعية المهمة.
ويمكن أن نقول: إنّها تمثل الرصيد الحقيقي للقوانين التفصيلية التي قرّرتها الشريعة، فهي المضمون العميق الّذي ترجمته القوانين بشكل حدود نهائية يقوم على أساسها القضاء وتجرى لأجلها العقوبات التي تتطلّب تحديداً دقيقاً للأمور، وعلى أساسه يمكن أن تستوفى الحقوق التي تتعرّض للإهدار والتضييع.
قال”ع” بعد ذكره لحق اللّه الّذي هو أكبر الحقوق ومنه تتفرّع سائر الحقوق مثل حق الجوارح وحق الأفعال التي تمثّل الحقوق ذات العلاقة بالإنسان الفرد والإنسان مع نفسه وربّه:
«ثمّ تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك وأوجبها عليك حقوق أئمتك ثمّ حقوق رعيتك ثمّ حقوق رحمك». وما يرتبط بالعائلة والعناصر المكوّنة لها: هي حقوق الزوجية وحقوق الاُم والأب والأولاد والأخوة والأخوات. وهناك عناوين أخرى تنطبق على كلّ من الزوج والزوجة سوى حقوق الزوجية، مثل حقّ الشريك، وحق الخليط، وحق الصاحب وحق الجليس وحقّ الغريم وحقّ المستشير والمشير وحق المستنصح والناصح وحقّ من هو أكبر أو أصغر من الإنسان، وحقّ المسيء وحقّ المحسن وحق ذي المعروف وحقّ أهل الملّة، فإنّها إذا اجتمعت استطاعت أن تصوّر كلّ الحالات التي تمرّ بها العائلة وتصوّر العلاقات القائمة فيما بين أعضائها.
ولا ننسى الآداب التي جعلتها الشريعة تحفّ بالواجبات والمحرّمات في كلّ حقل فإنّها تكمل لنا الصورة النموذجية للنظام الإسلامي بالرغم من عدم وجود إلزام بها لكنّها تبيّن لنا اتجاه التشريع والنظام الإسلامي في كلّ حقل أو بالأحرى إنّها تعتبر النموذج الأرقى الّذي تصبوا إليه الشريعة الخالدة وخير مصداق لذلك أدعية الإمام زين العابدين”ع” التي ترتبط بالوالدين والأولاد ومن يلوذ بالإنسان التي جاءت على لسانه في الصحيفة السجّادية.
اهداف تكوين الاسرة في الاسلام
1 التقرب الى الله سبحانه وتعالى:
حيث ان الزواج يعد في نظر الاسلام عبادة قربة الى الله ينال به المؤمن الاجر والمثوبة على شرط اذا اخلص
الفرد النية وصدق العزيمة وقصد بالزواج ان يعف نفسه عن الحرام ولم يكن الدافع البهيمي هو الغرض
الاساسي لهذا الزواج ومن هنا فان اسلامنا الحنيف يرقى بالمتعة الجسدية الى مرتبة السمو والطهر
ويجعلها عبادة يتقرب بها المؤمن الى ربه وبذلك من العادة عبادة ومن الشهوة طريقا الى نيل رضا الله
عز وجل.
2_ تنظيم الطاقة الجنسية والتحصن من الشيطان:
حيث ان الطاقة الجنسية خلقها الله عز وجل في الذكر والانثى لتحقيق هدف نبيل وغاية جليلة هى
التناسل والتوالد والتكاثر بغرض استمرار الجنس البشري.
3_ ترويح النفس وايناسها بالمجالسة:
قال الامام علي كرم الله وجهه “روحوا القلوب ساعة فانها اذا كرهت عميت”
4_ نشر السكن والمودة والرحمة بين الزوجين:
قال تعالى:”ومن أياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة”.
5_ الانجاب:
قال تعلى:”المال والبنون زينة الحياة الدنيا”.
6_ المحافظة على الانساب.
7_المحافظة على النوع الانساني.
8_شفاعة النسل للمرء وبقاء عمله بسببهم بعد موته:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به
وولد صالح يدعو له”.
9_نيل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ورضاه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” خير نسائكم الولود الودود”
10_مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية.
11_سلامة المجتمع من الانحلال ومن الامراض:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:”يا معشرالشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه اغض للبصر
واحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء”
12_التخلص من انكحة الجاهلية الفاسدة:
مثل: نكاح الاستبضاع ونكاح البدل ونكاح الشغار ونكاح الكثرة ونكاح الرهط دون العشرة ونكاح الخدان.
13_تربية الاولاد وتاديبهم.
أهمية الأسرة في الإسلام
للأسرة في الإسلام أهمية كبيرة، ويُمكن إجمال الأهمية بالنقاط الآتية:
-تُعدُّ الأسرة اللبنة الأولى التي تنشأ فيها الأجيال.
-تتولى الأسرة مهمة تربية الأبناء؛ حتّى يُصبح هؤلاء الأبناء أصحاب أسر.
-يتولى أفراد الأسرة المسؤوليات الاجتماعية.
-تأثير تربية الأفراد على المسؤوليات التي يُمارسونها.
-ينبغي توفر مجموعة من الشروط في الأسرة المسلمة، وهي كما يلي:
-صلاح الزوج والزوجة ومن معهما.
-الاعتماد على التربية الإسلامية في تربية أبناء الأسرة.
-توجيه المجتمع ومجموع الأسر الموجودة فيه إلى اعتماد العقيدة الإسلامية في منهج الحياة.
-تعاون الأسرة مع المؤسسات الأخرى في موضوع تربية الأجيال.
أهداف الأسرة في الإسلام
تتلخص أهداف الأسرة في الإسلام بالأمور الآتية:
-الهدف الديني: يُعتبر تكوين الأسرة أحد أمور التعبد لله سبحانه وتعالى، وذلك من خلال تكوين أسرة معتمدة على كتاب الله تعالى، وعلى سنة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
-الهدف الأخلاقي: تهدف الأسرة المسلمة إلى تقويم السلوك والأخلاق، والابتعاد عن الرذائل، والانحلال الخُلُقي.
-الهدف الاجتماعي: يهدف إلى توثيق المحبة، والتآلف بين أفراد المجتمع، وهذا من نعم الله على عباده المسلمين، حيث تقوى المحبة عن طريق المصاهرة، ويزداد الأفراد بالإنجاب والتكاثر.
-الهدف الصحي: تهدف الأسرة المسلمة إلى حماية المجتمع من الإصابة بالأمراض التي تنتج من الاتصال المُحرّم