خصائص العدل، وتعريف العدل، وثمرات العدل في الإسلام، وأنواع العدل، نتناول الحديث عنهم بشيء من التفصيل خلال المقال الآتي.
محتويات المقال
خصائص العدل
1. العدل في ميزان الشرع مقدم على القيم الأخرى
بسبب الحيوية البالغة للعدل أوجب الإسلام التضحية بأي قيمة تتعارض معه، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)، فإقامة العدل مقدم على صلة الرحم، ولا يجوز تجاوزه لرعايتها، كذلك هو مقدم على بر الوالدين حال التعارض، يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)، ومقدم على قيمة الأخوة من باب أولى، يقول الرسول: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ: تحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ)
فالملاحظ من النصوص السابقة أن إقامة العدل يتجاوز عاطفة الأبوة والقرابة والأخوة، وذلك حال تعارض هذه العواطف مع إقامته، وهذه النظرة للعدل تكسبه أولوية عظمى في المنحى التطبيقي.
2. العدل قيمة مطلقة
العدل في الإسلام يمثل مبدء عام، وقيمة مطلقة صارمة لا تسمح بأي عبث، ولا مجال للعواطف في تغييبها من المجتمع على المستوى الفردي أو الجمعي، ولا يستثنى منها أحد، ولا يقبل إخضاعه لأي تفرقة عنصرية يقول الله سبحانه وتعالى : (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) فالناس كلمة عامة تشمل الإنسانية كافة مسلمهم وكافرهم أبيضهم وأسودهم لا مجال شرعاً للتمييز بينهم في الأحكام الدنيوية والقضائية، كذلك لا مجال للعواطف في التأثير على قيمة العدل أو آثاره يقول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)، فالآيات صريحة في أن إقامة العدل والحكم به لا يتأثر بعواطف المحبة أو البغضاء، فلا المحبة للأهل والأقارب تغيبه، ولا العداوة والبغضاء تنقصه أو تحول دون إقامته، فالعدل في الإسلام قيمة مطلقة، وإقامته تكون لله سبحانه وتعالى دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى كاختلاف الدين واللون أو المركز الاجتماعي أو المشرب الثقافي، يقول ابن تيمية : « الْعَدْلُ وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَالظُّلْمُ لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنْهُ بِحَالِ.» والعدل بهذه الخصيصة يعتبر ثورة تقدمية وأخلاقية واجتماعية، وقفزة هائلة يسمو بها فوق جميع النظم الاجتماعية المعاصرة.
3. العدل قيمة شاملة
بمعنى أنها مبدأ ينبغي التقيد به بصرامة جميع الأفراد سواء الرئيس أو المرؤوس، الأب والابن، القاضي والشاهد، البائع والمشتري، السيد والعبد، كل فرد في المجتمع يجب أن يحترم شعار: خذ ثمرة عملك، ودع لغيرك ثمرة عمله، واحمل تبعة خطئك، ودع غيرك يحمل تبعة خطئه، ويرشد إلى هذه القيمة قول الرسول: «وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ».
تعريف العدل
العدل خلاف الجور، وهو القصد في الأمور، وما قام في النفوس أنه مستقيم، مِن عَدَلَ يَعْدِلُ فهو عادل من عُدولٍ وعَدْلٍ، يقال: عَدَلَ عليه في القضية فهو عادِلٌ. وبسط الوالي عَدْلَهُ، وفي الاصطلاح العدل هو:(أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه)، وقيل هو: (عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينًا)، وقيل هو: (استعمال الأمور في مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير).
ثمرات العدل في الإسلام
1- بالعدل يستتب الأمن في البلاد، وتحصل الطمأنينة في النفوس، ويشعر الناس بالاستقرار، وبذلك يُقضى على المشكلات الاجتماعية والاضطرابات التي تحدث في الدول، بسبب الظلم.
2- بالعدل يعم الخير في البلاد:
فالعدل سبب في حصول الخير والبركة إذا كان منتشرًا بين الولاة، وبين أفراد المجتمع، يقول ابن الأزرق: (إنَّ نية الظلم كافية في نقص بركات العمارة فعن وهب بن منبه قال: إذا هم الولي بالعدل أدخل الله البركات في أهل مملكته حتى في الأسواق والأرزاق وإذا هم بالجور أدخل الله النقص في مملكته حتى في الأسواق والأرزاق)
فقيام العدل في الأرض كالمطر الوابل، بل هو خير من خصب الزمان كما قيل، فمن كلامهم: (سلطان عادل خير من مطر وابل، وقالوا عدل السلطان خير من خصب الزمان، وفي بعض الحكم: ما أمحلت أرض سال عدل السلطان فيها ولا محيت بقعة فاء ظله عليها)
3- ظهور رجحان العقل به:
قيل لبعضهم: مَن أرجح الملوك عقلًا، وأكملهم أدبًا وفضلًا؟ قال: من صحب أيامه بالعدل، وتحرَّز جهده من الجور، ولقي الناس بالمجاملة، وعاملهم بالمسألة، ولم يفارق السياسة، مع لين في الحكم، وصلابة في الحقِّ، فلا يأمن الجريء بطشه، ولا يخاف البريء سطوته
4- العدل أساس الدول والملك وبه دوامهما:
فبالعدل يدوم الملك، ويستقر الحاكم في حكمه، و(في بعض الحِكم: أحقُّ الناس بدوام الملك وباتصال الولاية، أقسطهم بالعدل في الرعية، وأخفهم عنها كلًّا ومؤونة، ومن أمثالهم: من جعل العدل عُدَّة طالت به المدة.
5- من قام بالعدل نال محبة الله سبحانه، قال تعالى: وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]
6- بالعدل يحصل الوئام بين الحاكم والمحكوم.
7- بالعدل يسود في المجتمع التعاون والتماسك.
أنواع العدل
إذا كانت العدالة هي الحكم بالحق فهي ثابتة في حال القياس على الحقوق الطبيعية ومتحولة في حال القياس على الحقوق المكتسبة (الموضوعة من الإنسان)
1. العدالة المساواة
تساوي البشر عن طريق التخلي عن التمييز بين المجموعات البشرية القائم على الجنس أو العرق أو العقيدة أو ما شابه و هنا يصح القو : كل البشر تلد حرة ومتساوية في حقوقها الطبيعية، مثلا كرامتها.
2. العدالة السياسية
حق العمل السياسي الوطني والعالمي.
3. العدالة القضائية
وضع القوانين المتوازنة، وتناسب العقوبة مع الجريمة، والحق في المحاكمة العادلة والعلنية وإعادة أحكام المحاكمة العسكرية إلى عقوبات ما تحت السجن وربطها بالرياضة فقط (تقزيم المحكمة العسكرية)
4. عدالة المبادلة
كتهذيب دفع تعويضات الأضرار وتسويتها عمليا، والابتعاد عن العين بالعين والسن بالسن، ليتحول الضرر (حسب الإمكانية) إلى قيمة معقولة وممكنة.
5. العدالة الاجتماعية
التوزيع العادل للثروات وأماكن العمل وفرصه، وفرص سد الحاجات المعيشية والطبية والغذائية وما شابه.
6. عدالة الحماية الاجتماعية
كحماية المعاقين والأقليات وتحقيق القدرة على العيش والتعايش مع المختلفين عن الأكثرية كالمتماثلين جنسيا مثلا.
7. عدالة الأجيال
التناغم بين جيل اليوم وجيل المستقبل من خلال التوازن بين التعويض التقاعدي والـتأمين التقاعدي، ومن خلال التوازن البيئي والاستفادة من الثروات الباطنية دون النسيان أنها محدودة، ومحاولة اختراع وتحسين أدوات إنتاج الطاقة المتجددة ليتم توريث أرض تُمكّن الجيل القادم من العيش عليها.