قصة حفر الخندق، ومعجزات الرسول محمد أثناء حفر الخندق، والدروس المستفادة من قصة حفر الخندق، ونتائج غزوة الخندق، نتناول الحديث عنهم بشيء من التفصيل خلال المقال التالي.
محتويات المقال
قصة حفر الخندق
– تبدأ أحداث القصة بأن زعماء بني النَّضير من اليهود الذين لجأوا إلى خيبر بعد إجلائهم عن المدينة، وهم: حُيي بن أخطب، وسلَّام والربيع ابنا أبي الُحقيق، وكنانة بن الربيع، وغيرهم، خرجوا إلى قريش في مكَّة، ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
– قالوا لهم: إنَّا معكم عليه حتى نَستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنَّكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خيرٌ أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أَولى بالحقِّ منه، وكذبوا وهم يَعلمون الحقَّ من أجل مصالحهم الدنيوية، ونشطوا في تحزيب قريش ومَن حالفها على حَرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجوا حتى جاؤوا غطفان، وذكروا لهم استعداد قريش، فأجابوهم.
– خرجت قريش للحرب وقائدهم أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدها عُينية بن حصن، وخرجت بني مرَّة وقائدها الحارث بن عوف، وخرج مسعود، وقيل: مسعر بن رخيلة بن نويرة فيمن تابعه من أشجع، وتحزَّب هؤلاء ضد المسلمين، وأتوا بخيلهم ورَجِلهم لاستئصال المسلمين.
– لما علِم الرسول صلى الله عليه وسلم بأمرهم، ضرب الخندقَ على المدينة، وكان الذي أشار عليه بالخندق سَلْمان الفارسي، وكان أول مَشهد شهِده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذٍ حُر، قال: يا رسول الله، إنَّا كنا فارس إذا حوصرنا، خندقنا علينا.
– عمِل المسلمون الخندقَ، فكان طويلًا من “أُجُم الشيخين”، حتى “المذاد” – والأجم بمعنى الأطم، وهو الحصن – ووزع على كلِّ عشرة من المسلمين أربعين ذراعًا ليحفروها من الخندق، وقال الأنصار: سَلمان منَّا؛ وذلك ليَضُموه معهم في حَفر الخندق؛ لقوَّته وصبره على هذا العمل، وقال المهاجرون: بل سَلْمان منَّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سلمان منَّا أهل البيت))، فكان سَلمان عاشر ثلاثة من المهاجرين وستة من الأنصار اشتركوا في حَفر أربعين ذراعًا، وهم الذين خرجَت لهم الصَّخرة المروة فلم يقدروا على كسرها، بل كسرَتْ حديدَهم فاستعانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكسرها بضرباتٍ ثلاث، خرج من كلِّ ضربة برق، فرأى في الأولى قصورَ الحيرة والمدائن، وفي الثانية قصور الشام، وفي الثالثة قصور صنعاء، وبشَّر النَّبي صلى الله عليه وسلم بفتح هذه البُلدان.
– وصلت قريش وحلفاؤها إلى المدينة وحاصروها، وكانوا يتوقَّعون أن يقابِلهم جيشُ المسلمين كما حصل في أُحُد، ولمَّا أرادوا أن ينشبوا القتال، قام عددٌ من فرسان قريش منهم: عمرو بن ودٍّ، وعكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبدالله، فخرجوا على خيلهم وقالوا: تهيَّؤوا يا بني كنانة، فستَعلمون اليوم من الفرسان، ثمَّ أقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا عليه، فلمَّا رأوه قالوا: والله هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، وراحوا يبحثون عن مكان ضيِّق ليقتحموا منه، واقتحمت بعضُ الخيل، وجالت ما بين الخندق وسَلْع، فخرج إليهم علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين وسدَّ عليهم الثَّغرة التي اقتحموا منها، وتبارَز مع عمرو بن ود، فقتَلَه وقتل ابنَه حسل بن عمرو، وعادت الخيل مُنهزِمة، كما حاول نوفل اجتياز الخندق فسقط فيه فرماه المسلمون بالحجارة، فقال: يا معشر العرب، قتلة خير من هذه، فنزل إليه عليٌّ فأجهز عليه.
– أُصيبَ من المسلمين سعد بن معاذ رضي الله عنه، رماه ابن العرقة في ساعده فقُطِع أكحله وقال: اللهمَّ إن كنتَ أبقيتَ من حرب قريش شيئًا، فأبقني لها؛ فإنَّه لا قوم أحب إليَّ أن أجاهدهم من قوم آذَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكذَّبوه وأخرَجوه، اللهمَّ وإن كنتَ قد وضعتَ الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شَهادة، ولا تُمتني حتى تقرَّ عيني من بني قريظة.
معجزات الرسول محمد أثناء حفر الخندق
يؤمن المسلمون أنه قد ظهرت خلال مرحلة حفر الخندق معجزاتٌ حسيةٌ للرسول محمد، منها تكثير الطعام الذي أعده جابر بن عبد الله، إذ قال جابر بن عبد الله:
– «إنا يوم الخندق مُحفِّر، فعرضت كدية شديدة، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: «هذه كدية عرضت في الخندق»، فقال: «أنا نازل»، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب في الكدية فعاد كثيبًا أهيل (رملاً سائلاً) أو أهيم (الرمل الذي لا يتمالك)، فقلت: «يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت»، فقلت لامرأتي: «رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ما كان لي في ذلك عليه صبر، فعندك شيء؟»، فقالت: «عندي شعير وعناق» (العناق: الأنثى من أولاد الماعز)، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم بالبرمة (القِدر)، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي (الحجارة التي تنصب ويجعل القدر عليها)، قد كادت أن تنضج، فقلت: «طُعَيمٌ لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان»، قال: «كم هو؟»، فذكرت له، فقال: «كثير طيب»، قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي». فقال: «قوموا»، فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: «ويحكِ جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم»، قالت: «هل سألك؟»، قلت: «نعم»، فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا»، فجعل يكثر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: «كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة».»
– هذه ابنة بشير بن سعد تقول: «دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: «أي بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما»، فأخذتها فانطلقت بها، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي، فقال: «تعالي يا بنية ما هذا معك؟»، فقلت: «يا رسول الله، هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغذيانه»، قال: «هاتيه»، فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبسط له ثم دعا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: «اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغذاء»، فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب».
– عندما اعترضت صخرةٌ الصحابةَ وهم يحفرون، ضربها الرسولُ محمدٌ ثلاث ضربات فتفتتت، قال إثر الضربة الأولى: «الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة»، ثم ضربها الثانية فقال: «الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض»، ثم ضرب الثالثة، وقال: «الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة». وقد تحققت هذه البشارة التي أخبرت عن اتساع الفتوحات الإسلامية والإخبار عنها في وقت كان المسلمون فيه محصورين في المدينة يواجهون المشاق والخوف والجوع والبرد القارص.
الدروس المستفادة من قصة حفر الخندق
1. الاستفادة من خبرات الآخرين في الدفاع والهجوم عند ملاقاة العدو، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه حصنوا المدينة المنورة بحفر الخندق، وهو أسلوب فارسي نقله سلمان(رضي الله عنه) للنبي (صلى الله عليه وسلم): (إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا).
2. القائد يتحمل معظم العبء في الأوقات الحرجة ويشارك بنفسه في رد العدوان، فقد قام النبي (صلى الله عليه وسلم) بحفر الخندق مع أصحابه، وتحمل معهم مشقة الحفر والجوع والعطش، وبذلك انكشف للعالم كله معدنه الثمين (صلى الله عليه وسلم).
3. التخطيط وإتمام المهمة في الوقت المناسب، فقد تمكنوا من حفر الخندق في وقت قصير قبل وصول جيش الأحزاب رغم المصاعب الهائلة التي واجهتهم، ومن أشدها البرد والجوع.
4. الحذر الدائم من الذي يغرر وهو في داخل الصف أو قريب منه، كما حدث عند غدر بني قريظة ونقضهم للعهد، فرجع ثلث الجيش إلى المدينة من أجل حماية النساء والأطفال.
نتائج غزوة الخندق
1. استقرار الوضع في المدينة المنورة، حيث توقف تفكير الأعداء في غزوها، ولم يعد المسلمون يخافون من أي تهديد، بل أصبحت الجيوش الإسلامية تخرج من المدينة المنورة إلى كل مكان في الجزيرة العربية وخارجها، وقد عبر النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك حينما قال: (الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِم)
2. انتصار المسلمين على الكافرين على قلة عددهم وضعفهم، ورحيل المشركين وأعوانهم دون أن يكون هناك قتال في المعركة، قال تعالى في ذلك: (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا).