ما هي الابعاد الجيوسياسية

كتابة هناء التويجري - تاريخ الكتابة: 25 أبريل, 2020 1:42
ما هي الابعاد الجيوسياسية

ما هي الابعاد الجيوسياسية سؤال يطرحه نسبة كبيرة من الناس، نظراً لأهميته، نقدم في هذا الموضوع الإجابة على  هذا السؤال ومعلومات أخرى عن  علم الجيوبوليتيك أو الجيوسياسية.

التطور العلمي والمعرفي

رافق التطور العلمي و المعرفي لحقل العلاقات الدولية بروز العديد من العلوم و الأطر المعرفية المفّسرة للأحداث الدولية سواءً في شكلها التنازعي أو التعاوني، والمعروف أنَّ لكل ظاهرة سياسية في الطبيعة قانون يُفّسرها ومهمة الباحث هو البحث عن هذا القانون، انطلاقاً من هذا، ساهم بعض مفكري وباحثي القرن التاسع عشر، في ميلاد علم جديد في حقل العلاقات الدولية ساهم في تفّسير الأوضاع الدولية وفق قانون “الأرض” أو “الجغرافيا” سواءً من الناحية النظرية أو التطبيقية بمساهمته في رسم و صياغة التوجهات الخارجية للدول ألا و هو “علم الجيوبوليك“.

ما هي الابعاد الجيوسياسية

قبل التطرق إلى مفهوم علم الجيوسياسية أو الجيوبوليتيك لابد علينا أولاً التفريق بين مصطلح الإبستيمولوجيا ومصطلح الإيتيمولوجيا اللذان يساعدانا في دراسة المفهوم، فالإبستيمولوجيا هي: علم العلم أي أخد شيء علمي و دراسته بطريقة علمية أما الإيتيمولوجيا فتعني البحث في أصل المفهوم.

فمن الناحية الإيتيمولوجية ترتبط  كلمة جيوبوليتيكا باليونانيين القدامى حيث تشير كلمة Geia إلى آلهة الأرض و Polis إلى دولة المدينة، وعليه Geiapolis عند اليونانيين تعني: “استكشاف للأشكال الأرضية للمجال و الأرض و مراقبتها وتنظيمها بواسطة الجنس البشري”.

أما من الناحية الإبستيمولوجية فمصطلح الجيوبولتيكا مكون من شقين Geo و تعني الجغرافيا، و Politic  تعنى السياسة مما يوحى لنا بوجود علاقة بين الأرض أو الجغرافيا مع السياسة، و منه فالجيوسياسية أو الجيوبوليتيك هي علم دراسة تأثير الأرض على السياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي أي (علاقة تأثُر و تأثِير)، و هناك من يصفُها ” بعلم سياسة الأرض” بمعنى العلم الذي يُعنى بدراسة تأثير السلوك السياسي في تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة، مما يستحضر في أذهاننا أن هناك فاعل يُمارس علاقة قوة في إطار جغرافي معين.

وعليه يمكننا القول بأنّ علم الجيوبوليتيك في أبسط معانيه هو العلم الذي يقُودُنا إلى دراسة كيفية استخدام الجغرافيا كمصدر قوة للتعبير عن المواقف السياسية.

تعريفات علم الجيوبوليتيك

  • وقد تعددت التعريفات المقدمة لعلم الجيوبوليتيك ولعلَّ سبب هذا الاختلاف والتعدد يعود إلى عاملين أساسيين: أولهما، تعدد الاتجاهات الفكرية، وثانيهما، اختلاف الفترات الزمنية والأحداث الدولية .
  • حيث عرفّهُ رودولف كيلين – Rudolf Kjellen والذي يُعد أول من استخدم مصطلح الجيوبوليتيك عام 1905 في كتابه “الدولة مظهر من مظاهر الحياة” على أنَّه: “دراسة البيئة الطبيعية للدولة، وأنَّ أهم ما تُعنى به الدولة هو القوة، كما أنَّ حياة الدول تعتمد على التربّية والثَّقافة والاقتصاد، والحكم وقوّة السلطان”، و يُحاول “كيلين” التّأْكيد على أنَّ الغرض الأسمى للعلم هو جعل الجغّرافيا في خدمة الدولة أيّْ بعبارة أخرى أكثر دقّة كيف يمكن لصانّع القَّرار جعل الموقع الجغرافي كمصدر قوّة للدولة في التعبير عن مواقفها السياسية؟.
  • أما كارل هاوسهوفر – Karle Hawshofer فقد عرف علم الجيوبوليتيك على أنَّه: “العلم القومي الجديد للدولة، و هي عقيدة تقوم على حتمية المجال الحيّوي بالنسبة لكل العمليات السياسية”، حيث اِعتبر هاوسهوفر علم الجيوبوليتيك بمثابة العلم الجديد للدولة الذي يستند إلى الجغرافيا السياسية بدل أمور أخرى.
  • في حين عرفَّه بيار ماري كلاوس – Piene Marie Gallois على أنّه: “دراسة العلاقات الموجودة بين تسيير أو قيادة القوة على المستوى العالمي والإطار الجغرافي الذي تمارس فيه”.
  • أما إف لاكوست – Yves Lacoste فقد اعتبره: “دراسة لمختلف أشكال صراع السلطة على الأرض، والقدرة تقاس بالموارد التي يحتويها الإقليم وبالقدرة على التخطيط خارج الإقليم“.
  • في حين بارتس شابمن – Bert Chapman عَرَّفَهُ من منطلق العلم الذّي يعكس الواقع الدولي ومجموعة القوى العالمية المنبثقة عن تفاعل الجغرافيا من جهة، والتكنولوجيا والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى، وتتسم بالطابع الديناميكي لا الثابت.

الاختلاف والتعدد حول مدلول علم الجيوسياسية أو الجيوبوليتيك

الاختلاف والتعدد حول مدلول علم الجيوسياسية أو الجيوبوليتيك بين مختلف الاتجاهات العلمية، لكن من جهة أخرى نلمس قدر من الاتفاق بين البعض منهم، ولتبسيط نقاط الاختلاف والاتفاق الموجود سوف نقسم هذه الاتجاهات إلى مجموعتين:

المجموعة الأولى: عرَّفَتْ الجيوليتيك في إطار المنظور الوضعي الويستفالي حيث نجد كل من رودولف كيلين، كارل هاوسهوفر و بيار كلاوس يُرَكِّزُون على الدولة كفاعل وحيد الذي يمتلك القوة المتمثلة في الجغرافيا فقط، فالجيوبوليتيك حسبهم كما يقول هارتشول -Hartchol عبارة عن “سمٌّ ذهنيٌ” بحيث من يعتنق الجيوبوليتيك أو يخطط من منطلق جيوبوليتيكي يكون ذو نزعة عدوانية و يجد الحل دائماً في الجغرافيا.

المجموعة الثانية: ركزت في تعريف الجيوسياسية أو الجيوبوليتيك على منطلقات المنظور ما بعد وضعي، فتعريف كلٌ من ايف لاكوست و بارتس شابمن لم يتخذ الدولة كفاعل وحيد بل هناك فواعل أخرى على غرار القوة الصّلبة مأثرة كالتكنولوجيا، الجنس، النوع…

وعليه انطلاقاً من كل هذه التعاريف يمكننا تقديم تعريفاً عاماً لعلم الجيوبوليتيك بأنَّه: “معرفة علمية تتضمن مجموعة من المفاهيم، والتي تنطلق من المعطيات الفيزيائية والبشرية الصادرة عن الفواعل السياسية، وتهدف للسيطرة على مجال جغرافي معين“.

وكثيراً ما نجد مصطلح الجيوسياسية يتداخل مع مضمون علم الجغرافيا السياسية و التي تُعنى بدراسة تأثير الجغرافيا في السياسة، و عليه فالجغرافيا السياسية تدّرس الإمكانات الجغرافية المتاحة للدولة أي تدرس كيان الدولة الجغرافي كما هو في الواقع، أما الجيوسياسية فتُعنى بالبحث عن الاحتياجات التي تتطلبها هذه الدولة حتى لو كان ما وراء الحدود أي ترسم خطة لما يجب أن تكون عليه الدولة مستقبلاً.

مراحل تطور علم الجيوبوليتيك او الجيوسياسية:

إنَّ أفكار الجيوبوليتيكا قديمة قدم البشرية حيث بدأت ملامح العلم تتضح منذ أن أخذت المجتمعات البشرية تتجه نحو إقامة الدولة  The Stats أين بدأ اهتمام المفكرين بدراسة تأثيرات البيئة الجغرافية على الشُّؤون السياسية، ومنها تَوصَّل المؤرخ اليوناني هيرودوت -Hiroudot إلى أنَّ سياسة الدولة تعتمد على جغرافيتها، من هنا كانت الانطلاقة من قبل المفكر اليوناني أرسطو – Aristo الذي كتب عن علاقة السياسة بالجغرافيا في مُؤلفه ”السياسية” – The Politics الذي أكد فيه أنَّ موقع اليونان الجغرافي في الإقليم المعتدل “المناخي” قد أهل الإغريق إلى السيادة العالمية على شعوب الشمال “البارد” و الجنوب “الحار”، و قد تبنى سياسته على تقسيمات بارمينيدس – Parminides للعالم إلى خمسة أقسام: إقليم شديد الحرارة و إقليمان شديدا البرودة و إقليمان معتدلان، و أكد أن الإقليم المعتدل الذي يسكنه الإغريق هو الإقليم الذي يحمل في طياته بذور القوة.

إلاّ أنَّ التطور الفعلي لعلم الجيوبوليتيك بدأ مع القران التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين مع المفكر فريديريك راتزل – Frederik Ratzel الملقب بأب الجغرافيا السياسية إذْ يُعد أول من استخدم مصطلح الجغرافيا السياسية في مُؤلفه “الجغرافيا السياسية” عام 1897، حيث آمن راتزل بأفكار داروين – Darwin في التطور البيولوجي وصاغ من خلالها نظريته في تحليل قوة الدولة، فالدولة بالنسبة له كائن حي يستمد خصائصه من جغرافيته، و بما أن الكائن الحي ينمو فيكبر فتضيق ملابسه فيضطر لتوسيعها كذلك الدولة، ستضطر إلى توسيع حدودها السياسية وزحزحتها كلما زاد عدد سكانها وتعاظمت طموحاتها، فحدود الدول حدود زئبقية قابلية للتوسع والانكماش ويجب على الدولة دائما أن تحافظ على رغبتها في التوسع لأن أي تراجع أو انكماش يجعلها عرضة للالتهام من قبل دول أخرى أقوى (البقاء للأقوى).

قوانين تطور الدول

  • أنَّ رقعة الدولة تنمو بنمو الحضارة أو الثقافة الخاصة بالدولة.
  • يستمر نمو الدولة إلى أن تصل إلى مرحلة الضّم بإضافة وحدات أخرى.
  • حدود الدولة هي التي تحميها لابد من الحفاظ عليها.
  • تسعى الدول في نموها إلى امتصاص الأقاليم ذات القيمة السياسية.
  • الدافع للتوسع يأتي من الخارج.
  • الميل العام للتوسع ينتقل من دولة إلى أخرى ثم يتزايد و يشتد.

نمو الدولة عملية لاحقة لنمو سكانها.

في الوقت الذي تحدث فيه راتزل عن الجغرافيا السياسية التي تنظر للدولة كوحدة استاتيكية و في ظل مناخ سياسي مغاير خطى مفكرين آخرين ألمان منحى جديد في تطوير هذا العلم و تحدثوا عن علم السياسات الأرضية أو ما أُصطلح على تسميته بالجيوبوليتيك، مع المفكر رودولف كيلين -Rudolf Kjellen  الذي انطلق من فكرة أن الدولة كائن عضوي لكنه متطور و ليس ثابت، و شبه البناء العضوي للدولة بالبناء العضوي للكائن الحي، فالأرض بالنسبة للدولة هي الجسد و عاصمتها بمثابة القلب والرئتان، أما الأنهار والطرق وسكك الحديد فهي بمثابة الأوردة والشرايين للدولة، في حين أن المناطق تعد المصدر الذي يمدها بالمعادن و الموارد الأولية اللازمة لنموها، والأفراد داخل الدولة هم الخلايا عند الكائن الحي والعامل المحرك للدولة، وقد اتفق مع راتزل بأنَّ الهدف النهائي لنمو الدولة هو تحقيق القوّة – The pawer، و قرر أن الدولة تتكون من خمسة أعضاء: الحكومة، السكان، الأحوال الاجتماعية، المركب الاقتصادي والمركب الطبيعي، والقانون الطبيعي يفرض حتمية النمو البيولوجي للدولة هذا النمو الذي يؤدى بها للنزاع الذي لا ينتهي إلاّ بمعادلة صفرية تؤدى بأفول الدولة الأضعف لصالح الدولة الأقوى.

وبتطور هذا العلم ونظراً لزيادة الاهتمام بالجغرافيا أصبح معظم الباحثين والمفكرين اليوم يعتمدون عليه في تحليل الأوضاع الدولية خاصة في شقها النزاعي، وأصبحنا نتكلم عن التحليل الجيوبوليتيكي للأحداث.

أسس التحليل الجيوبوليتيكي أو الجيوسياسي

بدأ الاهتمام بالتحليل الجيوبوليتيكي كتخصص معرفي دقيق فرض نفسه تدريجياً على الساحة الأكاديمية منذ القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وعرف تطور كبير في تحليل الأوضاع الدولية سواءً من الناحية النظرية أو التطبيقية بتأثيره في صياغة التوجهات الإستراتيجية الكبرى للدول.

حيث يقوم التحليل الجيوبوليتكي على ثلاثة أسس مهمة و هي:

  1. اختيار الدولة كمرجع أساسي للدراسة وإطار للمقاربة الجيوبوليتيكية باعتبارها البناء الأساسي والشكل الحديث للتجمعات الإنسانية ومصدر القوة، وبالتالي فالدولة هي قلب التحليل الجيوبوليتيكي.
  2. يقوم على وصف الوضع الجغرافي وحقائقه كما يبدو وارتباطاً بالقوى السياسية المختلفة.
  3. يقوم على وضع ورسم الإطار المكاني الذي يحتوى على مختلف القوى السياسية المتفاعلة والمتصارعه.

بعض الوضعيات الجيوبوليتيكية

  1. المحور الجيوبوليتيكي-Geopolitical axis: تم استعمال مصطلح المحور الجيوبوليتيكي من قبل المفكر بريجنسكي -Prejensky  ويشير إلى الدول التي تستمد قوتها من موقعها الجغرافي، قد تكون ممرات إلزامية أو منافذ مهمة نحو مناطق أخرى ونأخذ أمثلة عن ذلك إيران، الجزائر.

2.المجموعة الجيوبوليتيكية-Geopolitical Group: ويقصد بها مجموعة من الدول لديها حركة متماسكة ومستمدة من موقعها الجغرافي، بحيث هذا الموقع يجعلها تتحرك كوحدة واحدة مثلاً الإتحاد الأوروبي يمثل مجموعة جيوبوليتيكية.

3.الوضعية الجيوبوليتيكية-Geopolitical Situation: يُعرف ايف لاكوست الوضعية الجيوبوليتيكية بقوله: نقول أن هناك وضعية جيوبوليتيكية عندما تتوفر مجموعة من الأشياء منها:

ختاماً يمكننا القّول أنَّ التحليل الجيوبوليتيكي يهدف إلى تحليل و فهم النزاعات الدولية خاصة في عصرنا الحالي المعروف بعصر الأزمات والنزاعات، فمن خلال هذا العلم يستطيع الباحث تفكيك شيفرة الوضع الدولي اعتماداً على الخريطة الجغرافية للوقع، ويبنى صانع القرار تصوراته السياسية المستقبلية لسياسته الخارجية في ضوء تفاعلات المكان الجغرافي.



739 Views