سنتعرف في هذه المقالة على المعنى الحقيقي لصحف ابراهيم عليه السلام من خلال ما هي صحف ابراهيم عليه السلام.
صحف إبراهيم
صحف إبراهيم هي الرسائل السماوية التي تلقاها النبي إبراهيم، والتي ورد ذكرها في القرآن بهذا الاسم. نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان. وهو صاحب الديانة الحنيفية، بعد أن اتخذه الله خليلا و أنزل عليه هذه صحف وأمره فيها أن يبلغ دعوة دين الله للناس فانتقل من العراق إلى الشام ثم إلى مصر والحجاز. وهو الذي سمى أمة محمد بن عبد الله بالمسلمين. ولم يؤمن له من قومه غير ابن أخيه لوط.
وقد ذكرها ربنا عز وجل في القرآن الكريم في عدة مواضع ، منها المجمل ، ومنها المبيَّن :
أما المواضع المجملة ففي قوله تعالى :
(قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/136
ما المقصود بالكتب السماوية
الكتب السماوية هي الكتب التي أنزلها الله سُبحانه وتعالى على رسله وأنبيائه، والتي تحتوي على عِبَر أو عظات أو تعاليم تخص الرسالة التي كُلِّف ذلك النبي بحملها، ويُشار عادة بكلمة الكتب السماوية إلى صحف سيدنا إبراهيم، والزبور الذي أُنزِل على سيدنا داوود، والتوراة التي أُنزِلت على سيدنا موسى، والإنجيل الذي أُنزِل على سيدنا عيسى، وأخيرًا وآخرًا القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على خاتم المرسلين مُحمَّد صلى الله عليه وسلم.
مواضع ذِكر صحف إبراهيم وموسى في القرآن الكريم
ذُكِرت عبارة صحف إبراهيم وموسى في القرآن الكريم في أكثر من موضع، نذكر منها الآتي:
قال تعالى في سورة آل عمران: (( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) صدق الله العظيم.
قال تعالى في سورة البقرة: (( قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) صدق الله العظيم.
قال تعالى في سورة الأعلى: (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى )) صدق الله العظيم.
قال تعالى في سورة النجم: (( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى )) صدق الله العظيم.
ماذا كانت صحف إبراهيم وموسى
قد يتساءل البعض عن مُحتوى بعض الكتب السماوية التي لم تَعد موجودة حتى عصرنا الحالي، وما الذي كُتِب فيها، وهذا ما حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ روى الآجري من حديث أبي ذر أنه قال: قُلت: يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالًا كلها: “أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت في فم كافر.” وأكمل القرطبي أيضًا: قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرًا كلها: “عجِبتُ لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن لها…”.
معنى صحف «إبراهيم وموسى» فى القرآن الكريم
ورد فى القرآن الكريم ذكر صحف إبراهيم وموسى – عليهما السلام – فى قوله تعالى: «إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى»، وصحُف إبراهيم هي إحدى الرسائل السماوية التي نزلت عليه، وهي 10 صحُف.
أما صحف سيدنا موسى -عليه السلام- فقيل: إنها التوراة وسماه الله صحفا، ولكن أجمع بعض آهل العلم على أن التوراة تختلف عن صُحف موسى، وقد ذهب الإمام القرطبي للقول بأن المقصود في قوله تعالى: «إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى»، هو «الكتب السماوية التي اختص الله بها إبراهيم وموسى، وليست الألفاظ بعينها في هذه الصحُف، أي قصد المعنى دلالة على ما أنزله الله من كتب سماوية، فقد اختص الله سبحانه وتعالى صحُف إبراهيم وموسى لتدليل على فضلهما، وأن جميع الكتب السماوية الأخرى متفقة على ما جاء في صحفهما».
وقد اشتملت تلك الصحف على سلسة من المواعظ والأحكام، ومما اشتملته كما جاء على لسان النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما سأله أبا ذر عن صحُف إبراهيم، فدلل النبي على «أنها أمثال ومواعظ حول الظلم وما له من آثار، وأن يتجنب الإنسان الظلم الأخر حتى لو كان كافرا، وعلى الإنسان العاقل أن يكون حفظا للسانه، مراقبا كلامه، عاد لزمانه».
وأما صحُف موسى، فكانت كلها عبر ومنها: «عجبا لمن أيقن الموت كيف يفرح، وعجباً لمن أيقن القدر كيف يغضب، وعجبا لمن رأى تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئن ويهنأ إليها، وعجبا لمن أيقن بنار كيف يضحك، ومن أيقن بالحساب والآخرة كيف لا يعمل».
ويجب على المؤمن الإيمان التام بأن الله أنزل صحفا على إبراهيم وموسى – عليهما السلام – حيث ذكر الله فضل صحف إبراهيم وموسى بقوله سبحانه وتعالى: « أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، وقد خص الله صحف إبراهيم بهذا القول حيث كانوا قبل إبراهيم – عليه السلام – يأخذون الرجل منهم بذنب غيره ممن ارتكب جريمة القتل أو الجرح، فأبلغهم إبراهيم – عليه السلام – بهذا القول، ونهاهم عن ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة لصحُف موسى، ولكن كل ما جاء في صحُف إبراهيم وموسى – عليهما السلام – فُقد وغير معلومة، ولم يصلنا من أثرها شيء، إلا ما ذكر فى القرآن الكريم وسنة نبوية شريفة توضح بعضا مما جاء فيهما.
صحف إبراهيم عليه السلام
الصحف اسم جمع والمفرد منه صحيفة، وتُطلق أيضاً على الكلام الذي في الصحيفة، تدل على الشيء المبسوط من الجلد، أو من الورق، أو من أيّ شيء آخر يُستخدم للكتابة عليه، أمّا صحف إبراهيم عليه السلام فهي ما أنزله الله تعالى على نبيه إبراهيم، أُطلق عليها اسم الصحف، امتلأت بالكثير من الحكم، والعبر، والمواعظ كما نص على ذلك أهل العلم، وقد ورد ذكرها كثيراً في القرآن الكريم إمّا بشكل مجمل، أو بشكل بيّن وواضح، أنزلها الله تعالى في أول ليلة من ليالي شهر رمضان، حيث روى الصحابيّ واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ)، ومن الجدير بالذكر أنّ صحف إبراهيم عليه السلام تعدّ من الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى للناس، لتكون له دليل الهداية والصلاح ممّا يوجب الإيمان بها دون البحث عن طبيعتها من حيث صناعتها والمادة التي صنُعت منها؛ حيث تعدّ من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله، علماً أن ذلك لا يؤثّر في الإيمان بها.
ولا بد من الإشارة إلى أنّ جميع كتب الأقوام السابقة كانت تشريعاتها وأحكامها تناسبهم من حيث أنّها لم تكلّفهم بشيء لم يأت به الرسول الذي أنزل إليهم، كما أنّها محددة بفترة زمنيّة معيّنة مختصّة بزمن الرسالة فقط، فيمكن القول بأنّها الشريعة تنسخ الرسالة التي ستأتي بعدها، وقد كانت آخر الرسالات التي أُنزلت هي ما أُنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم الذي نصّ على الكثير من الأحكام والأوامر التي كُلّف بها المسلمون، ولكن في المقابل لم يكلّفوا بما جاء في الشرائع السابقة بشيء؛ لأنّها خاصة بالأقوام التي نزلت فيهم، هذا بالإضافة إلى أنّها تعرّضت للكثير من التحريف والتبديل، حيث صرّح بذلك القرآن الكريم، وبالنسبة لمكانها فلا يوجد خبر صحيح يدلّ على مكان وجود صحف إبراهيم عليه السلام، أو عمّا جاء فيها من أحكام وتشريعات، ولكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمر باتّباع ملة إبراهيم عليه السلام بما جاء فيها من عقائد وتوحيد لله تعالى، ولكن يشار إلى أنّ القرآن الكريم جاء شاملاً لكلّ ما يتعرّض له الناس في حياتهم، وعليه فلا حاجة لمعرفة الأحكام التي وردت في صحف إبراهيم عليه السلام، حيث قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
دعوة إبراهيم عليه السلام
منح الله تعالى إبراهيم عليه السلام الحجة البالغة ليحاجج قومه على عبادة الكواكب، والنجوم، والأصنام التي على هيئتها، ويدحض دعوى النمرود، فبدأ دعوته بالقول الحسن، والنصيحة، والإرشاد، والقول بالمعروف، وقد بيّن لهم أنّ التماثيل والأصنام التي يعبدونها إنّما هي إفك وكذب إذ لا تملك لهم أيّ نفع ماديّ أو معنويّ، وأخبرهم بأنه رسول الله تعالى أرسله ليدعوهم إلى عبادته، وبيّن لهم أنّ مصير من يكذّب بدعوته كمصير الأقوام التي سبقتهم، إلا أنّ قوم إبراهيم عليه السلام لم يصدّقوه وأصرّوا على كفرهم عناداً وجحوداً واستكباراً، فلم يؤمن قوم إبراهيم بالقول الصالح، والنصيحة، والإرشاد، لذا أرشده الله تعالى لأسلوب جديد لإقناع القوم باستخدام المنطق العقليّ المبنيّ على البرهان العلميّ القائم على عدّة أسس، منها: إعطاء العقل فرصة للتفكير بعيداً عن التعصّب والعناد، واللجوء إلى الحقائق الكونيّة الواضحة للإنسان بحيث لا يستطيع إنكارها، والتدرّج مع الأقوم للوصول إلى الحقّ دون إفحامهم وهزيمتهم.
ومن الأساليب التي استخدمها إبراهيم عليه السلام في دعوة قومه أسلوب البرهان المعاكس، ويكون ذلك بفرض ضدّ ما يراد إثباته؛ حيث إنّ الكواكب والنجوم التي يعبدها قوم إبراهيم ترى أنّ الله تعالى الذي خلقها لا يستطيع أيّ أحد أن يراه، إلى جانب كونها تظهر وتختفي والله تعالى ليس كذلك، وممّا يدلّ على وجوب عبادة الله تعالى أنّ القمر، والكواكب، والنجوم مخلوقات والمخلوق لا بدّ له من خالق والخالق هو الله تعالى، وهي أيضاً أشياء تبقى محدودة مهما كبُرت والله تعالى لا يحدّه أو يحيطه شيء، كما وصف الله تعالى دين إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم بأنه دين حنيف؛ أي أنّه دين الحق والصواب