مقدمة بحث عن الاجتهاد نتحدث عنها من خلال مقالنا هذا كما نذكر لكم مجموعة متنوعة أخرى من الفقرات المميزة شروط الاجتهاد في أصول الفقه وتحديات الاجتهاد في العصر الحديث وتعريف الاجتهاد في أصول الفقه.
محتويات المقال
مقدمة بحث عن الاجتهاد
كلمتان مشتقتان من مادة واحدة، لهما أكبر الأثر في الحياة الإسلامية، وفي مسيرة الأمة الإسلامية على امتداد التاريخ هاتان الكلمتان هما الاجتهاد والجهاد، وقد اشتقتا من مادة (ج هـ د) بمعنى بذل الجُهد (بضم الجيم) أي الطاقة، أو تحمل الجَهد (بفتح الجيم) أي المشقة والكلمة الأولى هدفها: معرفة الهدى ودين الحق الذي أرسل الله به رسوله، والأخرى هدفها: حمايته والدفاع عنه وميدانها الفكر والنظر، والأخرى ميدانها: العمل والسلوك وعند التأمل نجد أن كلا المفهومين يكمل الآخر ويخدمه، فالاجتهاد إنما هو لون من الجهاد العلمي، والجهاد إنما هو نوع من الاجتهاد العملي وثمرات الاجتهاد يمكن أن تضيع: إذا لم تجد من أهل القوة من يتبنى تنفيذها، كما أن مكاسب الجهاد يمكن أن تضيع: إذا لم تجد من أهل العلم من يضيء لها الطريق.
وفي عصورنا الإسلامية الزاهرة مضى هذان الأمران جنبا إلى جنب: الاجتهاد والجهاد، فسعدت الأمة بوفرة المجتهدين من حملة القلم، ووفرة المجاهدين من حملة السيف. الأولون لفهم ما أنزل الله من الكتاب والميزان، والآخرون لحمايته بالحديد ذي البأس الشديد، وهو ما تشير إليه الآية الكريمة: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}[الحديد:25].
-والشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع التي تحمل الهداية الإلهية للبشر, وقد خصها الله بالعموم والخلود والشمول، فهي رحمة الله للعالمين، من كل الأجناس، وفي كل البيئات، وكل الأعصار، إلى أن تقوم الساعة، وفي كل مجالات الحياة المتنوعة، لهذا أودع الله فيها من الأصول والأحكام: ما يجعلها قادرة على الوفاء بحاجات الإنسانية المتجددة على امتداد الزمان، واتساع المكان، وتطور الإنسان.
-وإنما كانت كذلك بما جعل الله فيها من عوامل السعة والمرونة، وما شرع لعلمائها من حق الاجتهاد فيما ليس فيه دليل قطعي من الأحكام، أما ما كان فيه دليل ظني في ثبوته أو دلالته أو فيهما معا، أو ما ليس فيه نص ولا دليل، فهو المجال الرحب للاجتهاد، وبهذا تتسع الشريعة لمواجهة كل مستحدث، وتملك القدرة على توجيه كل تطور إلى ما هو أقوم. ومعالجة كل داء جديد بدواء من صيدلية الإسلام نفسه، لا بالتسول من الغرب أو الشرق.
وإن «الاجتهاد» هو الذي يعطي الشريعة خصوبتها وثراءها، ويمكنها من قيادة زمام الحياة إلى ما يحب الله ويرضى، دون تفريط في حدود الله، ولا تضييع لحقوق الإنسان، وذلك إذا كان اجتهادا صحيحا مستوفيا لشروطه صادرا من أهله في محله.
شروط الاجتهاد في أصول الفقه
شروط الاجتهاد في أصول الفقه كثيرة ولكن قد شدّد بعض العلماء في شروط الاجتهاد وخفّف فيها آخرون، وذكروا شروطاً لقبول الاجتهاد وشروطاً لصحته، وفيما يأتي بيان جملةٍ من هذه الشروط:
شروط قبول الاجتهاد
وهي ثلاثة شروطٍ لا بدّ من توفرها فيمن يتصدّى للاجتهاد وبدونها لا يُقبل اجتهاده، وهذه الشروط هي:
1التكليف بحيث يكون المجتهد بالغاً عاقلاً حتى يتمكّن من فهم النصوص، واستخلاص الأحكام منها.
2-العدالة فلا يقبل قول الفاسق، ولا يُعمل بفتواه.
3-الإسلام فلا يقبل الاجتهاد من غير المسلم؛ لأنّ الاجتهاد عبادةٌ، والإسلام شرطٌ لصحّة العبادة.
شروط صحة الاجتهاد:
وهي مجموعةٌ من العوامل التي لا بدّ من توفرها في المجتهد؛ حتى تتكوّن لديه الملكة الفقهية، والفهم السليم، فيكون بذلك قادراً على الاستنباط بطريقةٍ صحيحةٍ، وهذه الشروط هي:
1-المعرفة بالسنّة النبوية.
2-المعرفة باللغة العربية، وقواعدها.
3-المعرفة بأصول الفقه؛ حيث إنّها أساس الاجتهاد.
4-المعرفة بمقاصد الشريعة.
5-الدراية بمواقع إجماع العلماء.
6-المعرفة بكتاب الله تعالى.
7-الدراية بأحوال العصر، وظروفه، ومجتمعاته.
تعريف الاجتهاد في أصول الفقه
-مرّت كلمة الاجتهاد بمصطلحات عديدة في تاريخها، ولعلّ أوّل استعمال لهذه الكلمة على الصعيد العلمي كان للتعبير بها عن قاعدة من القواعد التي قررتها بعض المدارس في فقه العامة وسارت على أساسها، ومفادها: أنّ الفقيه إذا أراد أن يستنبط حكماً شرعياً ولم يجد نصّاً يدل عليه في الكتاب أو السنة رجع إلى الاجتهاد، بمعنى إعمال رأيه وظنّه الشخصي بدلًا عن النص. والاجتهاد هنا يعني الظن أو الرأي الشخصي للفقيه فيما يرجح عنده من تشريع.
-والاجتهاد بهذا المعنى يعتبر دليلًا من أدلّة الفقيه يستند إليه في حالات عدم توفّر النص من الكتاب والسنّة في بعض المذاهب. وقد لقي هذا المعنى للاجتهاد معارضة شديدة من قبل أئمّة أهل البيت عليهم السلام وفقهاء مدرستهم. وقد استمر استخدام هذه الكلمة بهذا المعنى إلى القرن السابع، ولكنها تطورت بعد ذلك في مصطلح فقهائنا، ولعلّ أقدم نص شيعي يعكس هذا التطور هو كتاب ( المعارج ) للمحقق الحلّي (ت ۶۷۶)، إذ كتب المحقق تحت عنوان حقيقة الاجتهاد «وهو في عرف الفقهاء بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلّة الشرع اجتهاداً؛ لأنّها تبتني على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر، سواء كان ذلك الدليل قياساً أو غيره… فإذا استثني القياس كنّا من أهل الاجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليست أحدها القياس» فالاجتهاد بهذا المعنى يتفق مع مناهج الاستنباط في الفقه الإمامي، حيث لم يعدّ الاجتهاد مصدراً من مصادر الاستنباط، بل هو عملية استنباط الحكم من مصادره نفسها التي يمارسها الفقيه.
-وقد مرّ هذا المعنى للاجتهاد بتطور آخر، فبعد أن حدّده المحقق الحلّي في نطاق عمليات الاستنباط التي لا تستند إلى ظواهر النصوص، اتسع نطاقه فيما بعد ليشمل عملية استنباط الحكم من ظاهر النص أيضاً. ولم يقف توسع الاجتهاد كمصطلح عند هذا الحدّ بل شمل في تطور حديث عملية الاستنباط بكل ألوانها، فدخل فيه كل عملية يمارسها الفقيه لتحديد الموقف العملي تجاه الشريعة عن طريق إقامة الدليل على الحكم الشرعي أو على تعيين الموقف العملي مباشرة، حيث عرّفه جمع بأنّه بذل الوسع في تحصيل الحجة على الوظيفة الفعلية.
تحديات الاجتهاد في العصر الحديث
عندما ألقت العولمة بظلالها على البشرية زاد الضغط على قضية الاجتهاد، فالأمّة مرغمة على التأقلم مع أوضاع سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية ذات نمط غير مسبوق، وتريد أن تتعامل معها وفق أحكام الدين لكنّ الحلول الفقهية غير جاهزة، فتلتفت إلى العلماء تنتظر الإجابات المؤصّلة، ومنهم المنهزم أمام التحدّي الضخم لا يملك سوى المناداة بتبنّي النسق الوافد بحلوه ومرّه، يضفي عليه الصفة الشرعية بالتلفيق والانتحال، وهذه فتنة في الدين ذات وقع كبير، وتقع المسؤولية الكبرى على الراسخين في العلم الذين لا يتبنّون معيار القديم والجديد ولكن معيار الصواب والخطأ كما تبيّنه أصول الفقه. والاجتهاد الجماعي يسعفنا من غير شكّ، وهو متيسّر في هذا العصر والحمد لله، وإنّما هو مجموعة من الاجتهادات الفردية تتلاقح وتستعين بالخبراء في مختلف التخصّصات لتخرج في ثوب أصيل قشيب يجعل طالب العلم والمستفتي وكلّ متمسّك بدينه منشرحي الصدور، واثقين من معاملاتهم، معتزّين بإسلامهم غير منهزمين أمام العولمة المتبرّجة بزخارفها.