مميزات شعر الحكمة في العصر العباسي وكذلك شعراء الحكمة في العصر العباسي، كما سنوضح تعريف الحكمة في الأدب العربي، وكذلك سنتحدث عن شعر الحكمة في العصر الجاهلي، وكل هذا من خلال مقالنا هذا تابعونا.
محتويات المقال
مميزات شعر الحكمة في العصر العباسي
– يعبر عن التجربة الشخصية للشاعر وعدد من الخبرات التي أكتسبها في مسيرة حياته، كما يتميز بالتنوع عن طريق استخدام محسنات لفظية رائعة.
– يفتح مجموعة من الأبواب التي يظهر منها الأخلاق الحميدة، ويصورها كما تحدث فعليا مثل الأفعال التي تدل على الصبر والعفة والكرم والحياء.
– يظهر في أبيات الحكمة عدد من المواقف الطريفة، التي قد يستفاد الناشئ منها الأخلاق الطيبة بل تحسهم على ضرورة التحلي بها.
– يظهر فيه عدد كبير من التشبيهات والصور والتي تدعوا للتعمق في النصوص، وقد يظهر عدد من نواحي الغموض في الأبيات الشعرية خاصة عندما يستخدم الشاعر الرموز في الأبيات.
– قد يستخدم الشاعر المقدمة الطللية وتظهر في الكلمات الحنين لماضيه، ويظهر فيها أيضا عدد من الخبرات التي أكتسبها من الحياه.
– يظهر في الألفاظ عدد من التصورات عما يحيط بالفرد من الواقع، من القصور والصحراء الواسعة مما يبرز الطبيعة ومكوناتها.
– كما أن شعر الحكمة في العصر العباسي لا يستخدم الكلمات الصعبة والمتكلفة، ويبعد عن التعقيد اللفظي وذلك لوضح الهدف الشعري من إنشاد قصائده، مما ساعد على وضوح ألفاظه وعدم اللبس فيها.
شعراء الحكمة في العصر العباسي
1- المتنبي:
أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي، والملقب بالمتنبي (303هـ – 354هـ) هو من سلالة عربية من قبيلة جعفى بن سعد، وهو من مواليد الكوفة، فيها نشأ وأولع بتعلم اللغة العربية من صباه، وكان أبوه سقّاء فخرج به إلى أرض الشام، وبعد أن شبّ المتنبي رأى أنه حتى يكمل علمه باللغة والشعر لا بد أن ينتقل إلى البوادي، فخرج إلى بادية بني كلب، وأقام بينهم مدة.
كان ينشدهم الشعر ويأخذ عنهم اللغة فعظم شأنه بينهم، وبعد خروجه من السجن بسبب التهمة التي أُلحقت به عن ادعائه النبوة، صار يتكسب بالشعر، انتهى المطاف بالشاعر المتنبي في بلاط سيف الدولة الحمداني وصار يمدحه مدحًا يخلّد اسمه أبد الدهر، وتعلم منه الفروسية وخاض معه الكثير من المعارك، ومن المعروف عن شعره بين أهل الأدب أنه لم ينبغ بعد المتنبي من بلغ شأنه ومكانته، حتى أنّ المعري يعترف بتقدّم المتنبي عليه، ومن أشعار الحكمة التي قالها المتنبي:
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ
وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا
وَوَضعُ النَدى في مَوضِعِ السَيفِ بِالعُلا
مُضِرٌّ كَوَضعِ السَيفِ في مَوضِعِ النَدى
وَلَكِن تَفوقُ الناسَ رَأيًا وَحِكمَةً
كَما فُقتَهُم حالًا وَنَفسًا وَمَحتِدا
يَدِقُّ عَلى الأَفكارِ ما أَنتَ فاعِلٌ
فَيُترَكُ ما يَخفى وَيُؤخَذُ ما بَدا
2- أبو تمام:
هو حبيب بن أوس الطائي (190هـ – 231هـ) أحد الشعراء الثلاثة الذين سارت بهم الركبان في العصر العباسي، وخلد شعرهم الزمان وهم: أبو تمام والبحتري والمتنبي، ولد في قرية جاسم في دمشق، ومن ثم نُقل إلى مصر ونشأ بها فقيرًا، وتعلم العربية وحفظ ما لا يُعد ولا يحصى من الشعر ونبغ قوله، حتى خرج إلى محل الخلافة ومدح المعتصم ونال عنده مكانة عظيمة، ويُعد في شعره في رأس الطبقة الثالثة من المحدثين، فقد وصلت إليه معاني المتقدمين والمتأخرين، وهو الذي مهّد طريق الحكم والأمثال للمتنبي والمعري، ومن أشعار أبي تمام في الحكمة:
إِذا جارَيتَ في خُلُقٍ دَنيئًا
فَأَنتَ وَمَن تُجاريهِ سَواءُ
رَأَيتُ الحُرَّ يَجتَنِبُ المَخازي
وَيَحميهِ عَنِ الغَدرِ الوَفاءُ
وَما مِن شِدَّةٍ إِلّا سَيَأتي
لَها مِن بَعدِ شِدَّتِها رَخاءُ
لَقَد جَرَّبتُ هَذا الدَهرَ حَتّى
أَفادَتني التَجارِبُ وَالعَناءُ
إِذا ما رَأسُ أَهلِ البَيتِ وَلّى
بَدا لَهُمُ مِنَ الناسِ الجَفاءُ
يَعيشُ المَرءُ ما اِستَحيا بِخَيرٍ
وَيَبقى العودُ ما بَقِيَ اللِحاءُ
فَلا وَاللَهِ ما في العَيشِ خَيرٌ
وَلا الدُنيا إِذا ذَهَبَ الحَياءُ
إِذا لَم تَخشَ عاقِبَةَ اللَيالي
وَلَم تَستَحيِ فَاِفعَل ما تَشاءُ
لَئيمُ الفِعلِ مِن قَومٍ كِرامٍ
لَهُ مِن بَينِهِم أَبَدًا عُواءُ
3- المعري:
أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي (398هـ – 449هـ) وهو الشاعر الفيلسوف المتفنن، ولد في معرة النعمان، وأصيب بالجدري في الثالثة من عمره فكُف بصره، تعلم عن أبيه وغيره من أئمة زمانه، وكان يتمكن من حفظ ما يسمعه من أول مرة، وبدأ نظم الشعر في عمر الحادية عشر، عاش حياته في عزلة في منزله، وكان فقيرًا يتكسب بعض المال الذي يكفيه، وله أشعار متناقضة حول حقيقة العالم والشرائع، والمعري أحكم الشعراء بعد المتنبي، ويتفوق على المتنبي في الطبيعيات والاجتماعيات والفلسفة والشرائع، وممّا قاله في الحكمة:
لا تَفرَحَنَّ بِفَألٍ إِن سَمِعتَ بِهِ
وَلا تَطَيَّر إِذا ما ناعِبٌ نَعَبا
فَالخَطبُ أَفظَعُ مِن سَرّاءَ تَأمُلُها
وَالأَمرُ أَيسَرُ مِن أَن تُضمِرَ
الرُعُبا إِذا تَفَكَّرتَ فِكرًا لا يُمازِجُهُ
فَسادُ عَقلٍ صَحيحٍ هانَ ما صَعُبا
فَاللُبُّ إِن صَحَّ أَعطى النَفسَ فَترَتَها
حَتّى تَموتَ وَسَمّى جِدَّها لَعِبا
4- أبو فراس الحمداني:
الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون التغلبي (320هـ -357هـ) شاعر وأمير وأسير، وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني، وكان أميرًا في ولاية منبج، واشتهر بخوضه للمعارك والحروب وكان فارسًا شجاعًا، وشعره في أغلبه يعكس طبيعة الحياة التي عاشها في بلاط سيف الدولة الحمداني، وقد حفل شعره بالقيم الدالة على ذاته وعلى محيطه، وكانت هذه القيم تظهر في شعره عفو الخاطر ولم تكن متكلفة أو متصنعة، أمّا في شعره فكان بليغًا قوي اللغة، قادرًا على إيصال الكثير من المعاني، ومن أشعاره في الحكمة:
اِحذَر مُقارَبَةَ اللِئامِ فَإِنَّهُ
يُنبيكَ عَنهُم في الأُمورِ مُجَرِّبُ
قَومٌ إِذا أَيسَرتَ كانوا إِخوَةً
وَإِذا تَرِبتَ تَفَرَّقوا وَتَجَنَّبوا
اِصبِر عَلى ريبِ الزَمانِ فَإِنَّهُ
بِالصَبرِ تُدرِكُ كُلَّ ما تَتَطَلَّبُ
5- ابن الرومي:
أبو الحسن علي بن العباس بن جُريج الرومي (221هـ -283هـ) وُلد في بغداد ونشأ بها وأقام بها كل حياته، وهو شاعر مكثر مطبوع، وقد شهد في حياته الكثير من المصاعب والمآسي، وانعكست هذه التفاصيل في شعره، وفي الوقت نفسه مال في طباعه إلى البؤس والتشاؤم، وصار منغلقًا على نفسه بسبب المصائب التي تحيط به، ومما يُعرف عنه أنه نظم شعرًا في كل الأغراض من وصف ومدح ورثاء وحكمة وهجاء، وقد نبغ في الشعر نبوغًا جعله يصل إلى درجة البحتري، وفاقه في بعض المواضع في اختراع المعاني أو توليدها من معانٍ سابقة، ووضعها في قالب حسن مميز وخاص به، ومما قاله ابن الرومي في الحكمة:
عدوُّكَ من صديقك مستفادٌ
فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ
فإن الداءَ أكثرَ ما تراهُ
يحولُ من الطعام أو الشرابِ
إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدوًا
مُبينًا والأمورُ إلى انقلابِ
ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ
مُصاحبةُ الكثير من الصوابِ
ولكن قلَّ ما استكثرتَ إلّا
سقطتَ على ذئابٍ في ثيابِ
فدعْ عنك الكثير فكم كثيرٍ
يُعافُ وكم قليلٍ مُستطابِ
وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُروياتٍ
وتلقى الرِّيّ في النُّطَفِ العِذابِ
تعريف الحكمة في الأدب العربي
إن المعاجم اللغوية تعرف الحكمة تعريفاً مرتبطاً بكل ما يكون متصل بالمعرفة والتدقيق، وهي وسيلة وأيضاً غاية في الوقت نفسه فجاء في اللسان (قيل الحكيم ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم)، وهكذا نجد أن غاية الحكمة هي المعرفة الدقيقة التي تتصل بالعلوم والمنافع حيث أنها تعتبر معرفة غير محددة، فهي تتصل اتصالاً مباشراً بأمور الدنيا وأمور الدين، وتتجلى في الخبرة المكتسبة من الملاحظات العميقة للأمور، والتي تكون بدورها مستخلصة من التجارب المكتسبة من الملاحظات، فالحكمة تتميز بحدود واسعة، وشاملة لأمور وقضايا كثيرة.
شعر الحكمة في العصر الجاهلي
تكاد تكون الحكمة في الشعر الجاهلي مبعثرةً في القصائد الكثيرة، فقد تحتوي قصيدة من قصائد المديح مثلًا على بعض أبيات الحكمة، وقد تحتوي قصيدة الوصف أيضًا على هذا النوع من الشعر، ويرجع ذلك في هذا العصر إلى أنّ العقل العربيّ في هذه المرحلة لم يكن ذا نِتاج فكريّ خصب، وإنما كان تابعًا للفطرة البسيطة التي يحيا على أساسها الإنسان العربي في صورته الجاهلية، فكان شعر الحكمة في العصر الجاهلي متنوّع الانتماء لعدد كبير من القصائد والشعراء الذين امتزجتْ في شعرهم الحكمة بأغراض أخرى مهمتها التعبير عن الوجدان.