نيتشه والدين

كتابة سلمى الشمري - تاريخ الكتابة: 5 سبتمبر, 2020 12:34
نيتشه والدين

نيتشه والدين وماهي طريقة نيتشه في التحدث عن الدين كل ذلك سنتعرف عليه من خلال سطورنا التالية.

فريدريك نيتشه

فريدريش فيلهيلم نيتشه ‏ (15 أكتوبر 1844 – 25 أغسطس 1900) فيلسوف ألماني، ناقد ثقافي، شاعر وملحن ولغوي وباحث في اللاتينية واليونانية. كان لعمله تأثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث.
بدأ حياته المهنية في دراسة فقه اللغة الكلاسيكي، قبل أن يتحول إلى الفلسفة. بعمر الرابعة والعشرين أصبح أستاذ كرسي اللغة في جامعة بازل في 1869،
حتى استقال في عام 1879 بسبب المشاكل الصحية التي ابتلي بها معظم حياته، وأكمل العقد التالي من عمره في تأليف أهم كتبه. في عام 1889، وفي سن الرابعة والأربعين، عانى من انهيار وفقدان لكامل قواه العقلية. عاش سنواته الأخيرة في رعاية والدته وشقيقته، حتى توفي عام 1900.

نيتشه ونقد الدين

يرى كارل لوفيث أنّ نيتشه أكمل إلحاد القرن التاسع عشر حين اعترافه بالعالم بما هو عالم، وبالكفّ عن تصوّر عوالم مفارقة. فكتاب “هكذا تكلّم زرادشت” هو إنجيل خامس موجّه ضدّ المسيحية ذاتها. ثمّ إنّ موت الإله يفترض أوّلا تجاوز الإنسان الراهن، أي الإنسان المسيحيّ، نحو الإنسان الأعلى، وإثره يغدو ممكنا استعادة العالم.
التعاليم النيتشوية للإنسان الأعلى هي، حسب لوفويث، قلب جذريّ لعقيدة الإنسان ـ الإله المسيحيّ، الذي كان الإنسان الأعلى في الماضي. لكنّ الإنسان الأعلى الجديد الذي جاء به زرادشت يريد تخليصنا من مخلّص الأزمان الماضية. إنّ عمل نيتشه يتلخّص في محاولة مماهاة الإنسانيّ مع الخاصية الكونية لمسيرة العالم والتي تُعوِّض بدورها “محاكاة المسيح (imitatio Christi)”. نصيحة زرادشت بأن يبقى الناس أمناء للأرض، يؤوّلها لوفيث على أنّها ضرورة وجود أرضيّ خالص دون أيّ طموح نحو التعالي، لأنّ الإله قد مات والإنسان الأعلى تجاوز مجرّد الإنسان1.
قد تكون تأويلات لوفيث بخصوص هذه النقطة صائبة، إلاّ أنه على صوابها فهي تغضّ الطرف عن عوامل أخرى ربما تكون أكثر تحديدا في نقد نيتشه للمسيحية. فعلا، لقد تغاضى العديد من مؤوّلي نيتشه عن التّعريج على النواة الإيديولوجية الثاوية وراء معارضته للمسيحية، والتي ربما كانت السبب المحدّد لحملته العنيفة ضدّها. النواة الإيديولوجية يمكن العثور عليها إذا فتحنا أيّ كتاب من كتب نيتشه، خصوصا المتأخّرة منها. إنها تراتبيّة العلاقات الاجتماعية، العلوّ الأرستقراطي، احتكار الجاه في يد الرأسمالية الصاعدة التي ينبغي عليها أن تتشبّث بقيَمها، وتتحمّل بضمير مرتاح مسؤوليتها التاريخية وإن أدّى بها الأمر إلى القضاء على قسط كبير من البشرية: « الجوهريّ في أرستقراطية حسنة وسليمة، هو أن تشعر أنها ليست وظيفة بل أنّها المعنى والمسوّغ الأرفع … وأن تقبل من ثمّ، بضمير مرتاح، تضحية عدد لا يحصى من الناس الذين يجب أن يذلّوا من أجلها، وينحطّوا إلى أناس غير كاملين، إلى عبيد وأدوات 2».
أمّا الأديان ولاهوتها: الله، الشيطان، المسيح المصلوب، الخطيئة الأولى، الخلاص والنجاة في الآخرة، فهي لا تعنيه إلاّ بقدر ما هي مُدَعِّمة لتلك الفكرة وجالبة النصر للنموذج القادم من الإنسان الأعلى. وهذا النموذج ـ حسب نيتشه ـ يتجسّد، على أحسن وجه، في الإنسان الحربيّ، العنيف الفظّ الجاهل، الكاره للعقل والتنوير، والمحتقر للعامّة إلى حدّ تمنّي الفناء لها والانقراض. كلّ هذه التعاليم موجودة في كتاب “زرادشت”، وفي “العلم المرح” وموجودة أيضا في “أفول الأصنام” و”عدوّ المسيح” و”ما وراء الخير والشرّ”، و”جينيالوجيا الأخلاق” وغيرها.
لقد جعل نيتشه عدوّه الأكبر كلّ من يتفوّه بكلمة مساواة، أو يحاول تحقيقها في الواقع إن كانت مؤسّسة أو شخصا أو دينا. بعد أن وصف روسو بأبشع النعوت، وشَتمه بكلام بذيء، بَدَّع عليه، فقط، لأنّه دعا إلى المساواة (Gleichheit) بين الخلق. وتكفي هذه الدعوة بمفردها لكي تجعل من روسو، في عين نيتشه، إنسانا “دنيئا” (canaille)، و”جَهيضا (Missgeburt). فالمساواة، بالنسبة إليه، هي من بين الموبقات الفكرية التي لا تُغتفر أبدا، ولا ينبغي للمفكّر أن يثيرها أو حتى يتفوّه بها، لأنّه «لا يُوجد سُمّ أسَمّ منها، (es gibt gar kein giftigeres Gift)3».
كيف يمكن لنيتشه أن يكون محرّرا من أغلال الدين، وقاتلا للإله أو مخلّصا للإنسان من مرض المسيحية؟ كيف يكون زرادشت هو الإنجيل الخامس للبشرية وصاحبه يقول: «المريض هو طُفيليّ (Parasit) المجتمع4»، وبالتالي يجب على المجتمع أن يزدريه بشدّة (tiefe Verachtung)، أما الأطباء فواجبهم الوحيد، ليس معالجة المرضى أو إعطاءهم وصفة دواء (nicht Recepte) بل، إيصالهم ذلك الاحتقار الاجتماعي. كلّ يوم يمرّ يجب أن يُعطوهم جُرعة إضافية من القرف (Ekel)5. الطبيب الذي يعالج المرضى، انتهت مهمّته ولا مبرّر لوجوده بعد اليوم، لقد حلّ محلّه الطبيب الجديد، ذو المسؤوليات العالية، أعني ذاك الذي له الحقّ في تقرير مَن يَلِد ومَن يُولَد ومَن يَحيى.
نيتشه أعلن أنّ «مفهوم الله هو أكبر اعتراض ضدّ الوجود6»، ولكن حتى هذه القولة، التي تبدو هرطقية أو مُحرّرة من أسر الدين، تبقى في انسجام مع توجّهه اللاأخلاقي، لأنها عدوّة للإنسانية، وتتملّص من واجبات الإنسان تجاه أمثاله، وتُنكر وجود أيّ معيار يفرّق بين العمل الخيّر والشرّير، بين الفعل الصالح والطالح: الأشياء جميعها تتساوى في ذاك “الكلّ اللامتميّز”، حيث تغيب الرحمة والمسؤولية والواجبات الأخلاقية ويصبح كلّ شيء مباحا: «نحن نُنكر وجود الله، ننكر المسؤولية في الله: هكذا فقط نُخلّص العالم7».
يرى كارل لوفيث أنّ نيتشه أكمل إلحاد القرن التاسع عشر حين اعترافه بالعالم بما هو عالم، وبالكفّ عن تصوّر عوالم مفارقة. فكتاب “هكذا تكلّم زرادشت” هو إنجيل خامس موجّه ضدّ المسيحية ذاتها. ثمّ إنّ موت الإله يفترض أوّلا تجاوز الإنسان الراهن، أي الإنسان المسيحيّ، نحو الإنسان الأعلى، وإثره يغدو ممكنا استعادة العالم.

هكذا تكلم نيتشه عن الإسلام

الفيلسوف الألمانى الشهير نيتشه، الذى عاش فى الفترة بين 1844 و1900 وكان معروفا بموقفه الحاد تجاه المسيحية الغربية، لكن كيف كان موقفه من الإسلام.
فى مقالة مهمة للكاتب المغربى بنسالم حميش بعنوان “هكذا تكلّم نيتشه عن الإسلام” يتوقف عند رأى الفيلسوف الكبير من الدين الإسلامى فيقول “لا يُعرف عن الفيلسوف الألمانى الكبير فريدرك نيتشه (المتوفى سنة 1900) فى المسألة الدينية إلا إلحاده وانتقاده الشديد للمسيحية، وخصوصاً منها مسيحية الإنجيل الجديد، إنتاج القديس بولس وحوارييه، أما موقفه ذى الإيجابية العجيبة الصريحة من الإسلام وثقافته، فالقلة القليلة من مؤرخى الفلسفة الغربية وحتى من المتخصصين فى فكر نيتشه إما لا يأبهون له وإما يسكتون عنه تماماً”.
ويتابع بنسالم حميش “إن نيتشه قد صاغ بفضل فذوذيته الفلسفية وقوة حدسه الخارقة للعادة أفكاراً وخاطرات مدهشة لافتة فى شأن الإسلام الثقافى وحتى العقدى”.
ويترجم بنسالم حميش نصا لـ نيتشه من كتابه L’ANTÉCHRIST الدجال، يوجد ضمن الجزء الثامن من أعماله الكاملة (جاليمار، 1974، ص 231 – 232)، وفيه “إن حضارة إسبانيا العربية، القريبة منا حقاً، المتحدثة إلى حواسنا وذائقتنا أكثر من روما واليونان، قد كانت عرضة لدوس الأقدام (وأؤثر ألا أنظر فى أى أقدام!) – لماذا؟ لأن تلك الحضارة استمدت نورها من غرائز أرستقراطية، غرائز فحولية، ولأنها تقول نعم للحياة، إضافة إلى طرائق الرقة العذبة للحياة العربية، لقد حارب الصليبيون من بعد عالماً كان من الأحرى بهم أن ينحنوا أمامه فى التراب، عالم حضارة إذا قارنا بها حتى قرننا التاسع عشر فإن هذا الأخير قد يظهر فقيراً ومتخلفاً! لقد كانوا يحلمون بالغنائم، ما فى ذلك من شك، فالشرق كان ثرياً!، لننظر إذن إلى الأشياء كما هي! الحروب الصليبية؟ إنها قرصنة من العيار الثقيل، لا غير”.

كتاب نيتشه والإسلام

مثل هذه الأفكار وأكثر منها جاء فى كتاب بعنوان “نيتشه والإسلام” والذى صدرت ترجمته عن دار جداول للنشر والترجمة، فى بيروت، وهو للمؤرخ روى جاكسون، وقد قام بترجمة الكتاب حمود حمود.
وجاء على ظهر الغلاف: “تكتسى قضية الهوية الإسلامية أهمية حاسمة فى ضوء الأحداث الجارية، وتحديدا: «ما بعد “جدالات” 11/ 9» المصحوبة بتركيز كبير على معالم أطروحة «صراع الحضارات».
وفى حين كان فريدريك نيتشه يتوجه إلى جمهور من ثقافة وعصر مختلفين، فإنّ رؤاه الأصيلة والإبداعية والنفسية والفلسفية والتاريخية تسمح بفهم جديد ومستنير للإسلام فى سياق عصرنا الحديث.
يشرع روى جاكسون فى كتابه الجديد، نيتشه والإسلام، ليحدّد قضايا: لماذا شعر نيتشه بميله لأن يكون سمحا تجاه التراث الإسلامى، رغم أنه كان نقديّا تجاه المسيحية الغربية؟
يقدّم كتاب “نيتشه والإسلام” نظرة أصيلة وجديدة فى توجهات نيتشه الفكرية حول الدين، ويدلل على أنّ فلسفته يمكن أن تُقدّم مساهمةً مهمة لما اعتبر بارادايمات الإسلام الجوهرية.

مؤلفات نيتشه

بالترتيب التاريخي:
من حياتي 1858.
عن الموسيقى 1858
نابليون الثالث كرئيس 1862
القدر والتاريخ 1862
الإرادة الحرة والقدر 1862
هل يستطيع الحسود ان يكون سعيدا حقا 1863
حياتي 1864
الفلسفة فى العصر المأساوى الإغريقى
مولد التراجيديا 1872
المسافر وظله 1879
الفجر 1881
العلم المرح 1882
هكذا تكلم زارادشت 1883-1885
ما وراء الخير والشر 1886
هو ذا الإنسان 1888
قضية فاغنر 1888
أفول الأصنام 1888
عدو المسيح 1888
نيتشه مقابل فاغنر 1888
إرادة القوة (مجموعة ملاحظات قدمتها أخته، لا تعبر بالضرورة عن رأي نيتشه) 1901
العلم الجزل(أو المرح)
في جنيالوجيا الأخلاق 1887
إنسان مفرط في إنسانيته



815 Views