هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب

كتابة رضا المصري - تاريخ الكتابة: 9 أغسطس, 2020 8:16
هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب

هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب وماهي اهمية الاستغفار وماهو مفهوم كبائر الذنوب من خلال هذه السطور التالية.

الاستغفار

الاستغفار طلب المغفرة من الله جل جلاله بأجمل العبارات مع اقتران الطلب باسم الله، وفيها توسل إلى الله، وإقرار بألوهية اللَّه تبارك وتعالى، وعزم على التوبة في الحال والمستقبل عن جميع الذنوب والمعاصي وكل مايغضب الله.
ويتضمن الاستغفار -إضافة- إلى طلب التجاوز عن الذنوب طلباً آخر وهو سترها وترك العقاب عليها من الرب جل جلاله

الاستغفار يمحو كبائر الذنوب

لقد عرفنا أن الشرك هو الذنب الذي لا يغفر ، أما دونه فيغفره الله سبحانه وتعالى ، وحتى الشرك بالله تعالى قد يقبل الله التوبة فيه إن كانت توبة نصوح ، والاستغفار يعد أحد أهم أركان التوبة ، ومحو الذنوب ، وفي هذا استندنا لبعض الآيات القرآنية ، ومنها:
أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ، يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّـهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنوب إِلاَ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الذنوب التي لا تغفر

إن رحمة الله تعالى أعم وأشمل من كل شيء ، ولكن استناداً لقول المولى سبحانه وتعالى في سورة النساء : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً} ، فالشرك بالله سبحانه وتعالى يمكن أن يكون من الذنوب التي لا تغفر ، إلا في حالة واحدة ألا وهي التوبة النصوح ، وفي هذا استندنا للحديث القدسي : فعن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله -صل الله عليه وسلم- يقول “قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة”.
وفي حديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الظلم ثلاثة ، فظلم لا يغفره الله ، وظلم يغفره الله ، وظلم لا يتركه الله) ، وبالنسبة للظلم الذي لا يغفره الله سبحانه وتعالى هو : الشرك ، والظلم الذي يغفره الله هو : ظلم الإنسان لنفسه ، والظلم الذي لا يتركه الله هو : ظلم العباد لبعضهم البعض ، وهذا النوع مقرون بالتسامح بين الظالم والمظلوم.

حقيقة الاستغفار الذي يمحو الله به الكبائر

مشكلتنا نحن اليوم أن استغفارنا يحتاج إلى استغفار، ولسان حالنا ما قاله أحدهم:
استغفر الله مـن استغفر الله مِن كلمة قلتها خَالَفَت معناها
الاستغفار الذي يُثمر، ينتج، ويتنزل به الرزق، والمطر، والنصر، هو الذي يَصْدُر من القلوب الصافية والنفوس الزكية، الذي يوافق القلب فيه اللسان، ويصحبه ندم وعزم على عدم العدوة إلى الذنوب والآثام.
روى ابن القيم رحمه الله -أن شيخه ابن تيمية رحمه الله، سَئل أيهما أولى بالعبد الاستغفار، أم التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد؟، فرد رداً بليغاً.
فقال: إنْ كان الثوب متسخاً فالصابون والماء الحار أولى به، وإنْ كان نظيفاً فالطيب وماء الورد أولى، ثم قال: كيف ولا تزال الثياب متسخة؟!!، أو كما قال: فقد كنى عن كثرة الذنوب والمعاصي والران على القلب بالاتساخ، ولا شك أن اتساخ القلب بالذنوب والمعاصي أشد وأخطر من اتساخ الثياب.
فإذا كان أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية محتاج لكثرة الاستغفار، فكيف بنا نحن؟.
وإن قال ذلك من باب التواضع، وكسر النفس رحمه الله، فنحن أولى بذلك منه أيضاً.
فالاستغفار الحق هو: استغفار اللسان المقرون باستغفار القلب، والمصحوب بالندم على ما مضى، والعزم على أن لا يعود إلى الذنب حتى يعود اللين إلى الضرب وهو الذي لا تبقى معه كبيرة أبداً بل يمحها ويذهب بها بالكلية، فالتوبة تَجُب ما قبلها.
وعلى العكس والنقيض، فإن الإصرار والاستخفاف بالصغيرة تصيرها كبيرة.
قال المناوي في فيض القدير في شرح أثر ابن عباس السابق: (لا كبيرة مع استغفار: أي طلب مغفرة الذنب من الله، والندم على ما فرط منه.
والمراد أن التوبة الصحيحة تمحو أثر الخطيئة وإن كانت كبيرة حتى كأنها لم تكن فيلتحق بمن لم يرتكبها، والثوب المغسول كالذي لم يتوسخ أصلاً.
قال الغزالي: فالتوبة بشروطها مقبولة ماحية لا محالة، قال: فمن توهم أن التوبة لا تصح ولا تُقبل كمن توهم أن الشمس تطلع والظلام لايزول.
“ولا صغيرة مع إصرار”، فإنها بالمواظبة تعظم، فتصير كبيرة. فكبيرة واحدة تتصرم ولا يتبعها مثلها للعفو منها، أرجي من صغيرة يُواظب عليها ألا ترى أنه لو وقعت قطرات ماء على حجر متوالية أثرت فيه، وإن صُبَّ كثير منه دفعة واحدة لم يؤثر).

استغفار الذنوب الكبيرة

استغفار الذنوب الكبيرة هو الاِسْتِغْفَارُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: « إذَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي؛ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي؛ فَقَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ؛ قَالَ ذَلِكَ: فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ »؛ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: « لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمِ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ » ؛ وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: الاِسْتِغْفَارُ هُوَ مَعَ التَّوْبَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ « مَا أَصَرَّ مَنْ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ »؛ وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ الاِسْتِغْفَارُ بِدُونِ التَّوْبَةِ مُمْكِنٌ وَاقِعٌ ؛وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ، فَإِنَّ هَذَا الاِسْتِغْفَارَ إذَا كَانَ مَعَ التَّوْبَةِ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ ،عَامٌّ فِي كُلِّ تَائِبٍ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ التَّوْبَةِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُسْتَغْفِرِينَ الَّذِينَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الْخَشْيَةِ وَالْإِنَابَةِ مَا يَمْحُو الذُّنُوبَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ بِأَنَّ قَوْلَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثَقُلَتْ بِتِلْكَ السَّيِّئَاتِ، لَمَّا قَالَهَا بِنَوْعِ مِنْ الصِّدْقِ وَالإِخْلاصِ الَّذِي يَمْحُو السَّيِّئَاتِ، وَكَمَا غَفَرَ لِلْبَغِيِّ بِسَقْيِ الْكَلْبِ لِمَا حَصَلَ فِي قَلْبِهَا إذْ ذَاكَ مِنْ الْإِيمَانِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.

طريقة الاستغفار الصحيحة

طريقة الاستغفار الصحيحة يعتبر الاستغفار من أجلّ الطاعات وأفضل القربات، وكيفما يستغفر العبد ربّه فإنّه يكون هو على خير، مثل أن يقول: استغفر الله، أو يقول: ربّ اغفر لي، أو ما الي ذلك، وأمّا سيّد الاستغفار فهو أن يقول الإنسان: « اللهم أنت ربّي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلا أنت».
طريقة الاستغفار الصحيحة كما ثبت في الصّحيح عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – ولا يوجد وقت محدّد للاستغفار، ولا قدر محدّد، ولا عدد معيّن من المرّات، بل أنّه مهما أكثر الإنسان من الاستغفار كان ذلك خيرًا له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: « والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة »، رواه البخاري، وعن الأغرّ بن يسار المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:« يا أيها النّاس توبوا إلى الله واستغفروه، فإنّي أتوب في اليوم مائة مرة»، رواه مسلم.



1823 Views