أهمية الاجتهاد في الإسلام كما سنتحدث كذلك عن شروط الاجتهاد وما هو حكم الاجتهاد في أصول الفقه وما تعريف الاجتهاد في الإسلام كل تلك الموضوعات تجدونها من خلال مقالنا هذا.
محتويات المقال
أهمية الاجتهاد في الإسلام
ويحتل الاجتهاد في الشريعة الإسلامية مكانة عالية وكبيرة في الفكر الإسلامي لأسباب منها :
1-أن في الاجتهاد تقديراً لمكانة العقل الإنساني الذي خلقه الله وكرم به حامله ، فقال تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [سورة الإسراء , آية : ٧٠].
2- أن الاجتهاد يمنح المسلمين التجدد في حياتهم العلمية والعملية لأنه يتيح مساحة واسعة من البحث والتعمق الفكري ، ولأنه يوجد للأمة الحلول للمستجدات التي لا نص عليها.
3- أنه يحقق بعض خصائص الإسلام كالعالمية ، التي أشار إليها القرآن بقوله : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [سورة الأنبياء , آية : ١٠٧]. كما أنه يحقق المرونة واستيعاب المتغيرات.
شروط الاجتهاد
1-العلماء ذكروا للاجتهاد شروطًا أهمها أن يكون عند الإنسان علم وملكة، علم بأدلة الشرع، وملكة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها؛ لأن من ليس عنده علم من الشرع كيف يكون مجتهدًا في شيء لا علم له فيه، ومن عنده علم لكن ليس عنده ملكة يتمكن بها من استنباط الأحكام صار كمن بيده سيف لا يعرف أن يقتل به، فلابد من أن يكون عند الإنسان علم وملكة، فإذا كان عند الإنسان علم وملكه صار من أهل الاجتهاد، ولا فرق بين أن يكون مجتهدًا اجتهادًا عامًا، أو اجتهادًا خاصًا.
2-فإن بعض الناس قد يكون مجتهدًا في مسألة معينة يعلم أدلتها ويتمكن من التطبيق على هذه الأدلة، ولكنه في مسائل أخرى جاهل بمنزلة الأميِّ، فيوجد من طلبة العلم من يكون عنده علم في مسائل العبادات يمكن أن يجتهد به، ولكن في المعاملات ليس عنده علم، أو يكون عنده علم في المعاملات العَقْدِية كالبيوع والإجارة والرهن والوقف وما أشبه ذلك، وليس عنده علم في مسائل المواريث والفرائض، فعلى كل حال قد يتجزأ الاجتهاد فيكون الإنسان مجتهدًا في مسألة أو باب من أبواب العلم دون المسائل الأخرى.
حكم الاجتهاد في أصول الفقه
ينقسم الاجتهاد إلى حكمين شرعيين على النحو التالي:
1-فرض كفاية
في حالة مخافة الشخص أن يقع في اللبس باجتهاده بأحد الأمور أو المسائل ولم يكن هناك أحد غيره يمكنه الاجتهاد، يصبح الاجتهاد هنا فرض كفاية، بمعنى أنه إن قام به أحد يسقط عن الغير، وإن لم يتقدم أحد باجتهاده يقع الجميع في الإثم.
2-فرض عين
ويعد الاجتهاد في إطار الحكم الشرعي من نوع (فرض العين) وفقاً لأهمية ونوع ذلك الاجتهاد، وعلى سبيل المثال إن تعرض أحد الأشخاص إلى مسألة أو حادثة يكون حكم الاجتهاد فرض عين له، ولكن قد يندرج ضمن حكم المندوب أو الكفاية، وفي بعض الأحوال يبلغ مرتبة الحكم الحرام.
الاجتهاد في الإسلام
1-يعد الاجتهاد المصْدر الرابع من مصادر الشريعة الإسلاميَّة بعد “الكتاب” و”السُّنة” و”الإجماع”، كما هو معروف، ويُعبَّرُ عنه أيضًا باسْم “القياس” أو “العقْل” أو “الرأْي”، باعتبار أنَّ كلاًّ من هذه الثلاثة ما هو إلا أداة من أدوات الاجْتهاد.
2- وإذا كان “كولد زيهر” (Goldziher) المستشرق الألماني الكبير، قد أُعْجِبَ كلَّ الإعجاب من كون “الإجماع” الاجتهادي أصْلاً من أصول الشريعة الإسلاميَّة ومصادرها، وعبَّرَ عنه فقال: “إنه ينبوع القوَّةِ التي تجعلُ الإسلامَ يتحرَّكُ ويتقدَّم بكلِّ حريَّة فإنه يجدُ بلا شكٍّ في المصْدر الرابع – وهو الاجتهاد – أنَّه العقْلُ الساهر على نموِّ الشريعة وازدهارِها، والذي يطردُ العُقْمَ من قواعدِها وتُهْمة الجمود في طبيعتها”؛ وذلك لما كان للاجتهادِ على اخْتلافِ مذاهبِه في الشريعة الإسلاميَّة مِن رصيد عِلْمي جبَّار لا مَثيلَ له في تاريخ فِكرة الحقِّ ومحتويات مكتباته العلميَّة العالميَّة، ومِن آراءٍ فقهيَّة مُصْلِحَة سامية لا عهْدَ للأممِ الحيَّة بمثلها في تاريخ الإنسانيَّة، ومِن مَذاهب تتحكَّمُ فيها أولاً وآخِرًا قواعدُ العلْمِ والمصلحة الزمنيَّة الشرعيَّة ضِمْنَ مبادئ الحقِّ والعدْل والإنْصَاف، مِن غير تمييزٍ فيها ما بيْن إنسان وإنسانٍ، مَهْمَا اختلفتِ الأجْناسُ والأعْراقُ والأدْيَان.
وذلك كلُّه مما قد تفرَّد به “الاجتهادُ الإسلامي”، وجَعَلَ الشريعةَ الإسلاميَّة تستجيبُ دَوْمًا – وفي كلِّ الأحوال – للحاجات الإنسانيَّة المتطورة مع الأزْمَان.
3- هذا ولا تستبينُ أهميَّة “الاجتهاد” في الإسلام، واعتباره مصدرًا أساسًا من مصادر الشريعة الإسلاميَّة، وتفوُّقها به على غيْرها من الشرائع، وخاصة الشرائعَ الوضعيَّة القديمة والحديثة المتطورِّة – إلا باستعراضٍ وَجيزٍ جدًّا لموقفِ هذه الشرائع من الاجتهاد.
4- أمَّا الاجتهادُ عند الرومان، فلمْ يكنْ مَعروفًا في العهْد الملَكِي، بل كانتِ الشريعة سرًّا من أسرار الكَهَنَة ورجال الدين، ولم يصبحْ مَصْدرًا مِن مَصادر الحقوق، إلا في حقْبة صغيرة من الزمن، وذلك في عهْد الجمهوريَّة الذي نشأَ بعد انْهيار النظام الملَكِي، ولكن عهْد الإمبراطوريَّة لم يلبثْ أنْ حلَّ محلَّ العهْد الجمهوري، وأخذَ القياصرة فيه بتضييق نِطاق الاجتهاد شيئًا فشيئًا إلى أنْ حصروه في أنفسهم، وقَضوا بذلك عليه نهائيًّا، ولم يبقَ منه – وخاصة منذ تقنين “جوستنيان” – إلاّ ما كانَ من بابِ “الشرْح للنصِّ القانوني والحمْل عليه”؛ مما أصبحَ أساسًا جرَت عليه الطريقةُ التقليديَّة في الحقوقِ الحديثة في القرْن التاسع عشر.
5- غيْر أنَّ علماءَ الحقوق الحديثة قد أخذوا في مَطْلع القرْن العشرين يَشْعرون بفَسَاد الطريقة التقليديَّة، التي دَرَجَ عليها علماءُ القانون حتى أواخر العصْر التاسع عشر، والتي كانوا يعتبرون بموجبِها الحقوقَ المكتوبة – أي القوانين – هي وحدَها المصدر الأول للكشفِ عن كلِّ حُكْمٍ حقوقيٍّ ضروريٍّ لحاجات الحياة الاجتماعيَّة. وهكذا فقد قال أصحابُ الطريقة التقليديَّة حولَ مدوَّنة “نابليون” وما تَبِعها من القوانين: “إنَّ التشريع الرسمي يكفينا وحدَه للكَشْفِ عن جميع الأحْكَام الحقوقيَّة الضروريَّة لحاجات الحياة الاجتماعيَّة”، وكانَ مِن أبطالِ هذه الطريقة التقليديَّة عميد كلية الحقوق في باريس الأستاذ “بلوندو” (Blondo)، حيث صرَّح في مُذَكِّراته إلى مجمع العلوم الأخلاقيَّة والسياسيَّة سنة 1841م بأنَّ المصدرَ الوحيد في الوقت الحاضر للأحْكام الحقوقيَّة إنَّما هو القانون.