الحكمة من تحريم الجمع بين الاختين

كتابة مصطفى محمود - تاريخ الكتابة: 27 أغسطس, 2018 12:00
الحكمة من تحريم الجمع بين الاختين

الحكمة من تحريم الجمع بين الاختين وماهو المقصود بعدم الجمع بين الأختين كل ذلك في هذه السطور التالية.

عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ»، فَقَالَ: «أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ»، فَقُلْتُ: «نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي»، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي»، قُلْتُ: «فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟» قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟»، قُلْتُ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: «لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ» [البخاري (٥١٠١)، ومسلم (١٤٤٩)].
ما هي الحكمة في تحريم الإسلام أن يجمع المسلم بين أختين، أو البنت وعمتها أو خالتها؟.
على المسلم أن يقف عند حدود الشرع فيحلّ حلاله ويحرّم حرامه سواء أدرك الحمكة أم لم يدركها، لأن إدراك الحمكة غالباً ما تكون ظنية وقد تتعدد، وقد تستفاد ويلهمها شخص دون آخر، ولعله إذا أراد أن يبحث عن الحِكَم في بعض المواطن قد لا يجدها فيؤديه ذلك إلى الطعن في التشريع أو الارتياب فيه وهذه المسألة من هذا الباب. وقد نص الشارع الحكيم على تحريم من ذكر. فقال سبحانه: (وأن تَجمعوا بين الأُختين إلا ما قد سَلَف) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يُجمعُ بين المرأة وعمَّتِها و لا بين المرأة وخالتِها) كما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ولم يُذكر في هذين النصين علة التحريم.
وقد فطن العلماء لعلّة هذا الحكم فقالوا: إن الجمع بين الأُختين أو بين المرأة وعمتها أو خالتها يؤدي إلى العداوة وقطع الرحم، لما يجري بين الضرّات من البغضاء والعداء، فيكون ذلك سبيلاً إلى قطع الأرحام وهو من كبائر الذنوب.

الحكمة من تحريم الجمع بين الأختين

إنّ الجمع بين الأختين قد يؤدي إلى حصول النفرة والتشاجر والتشاحن والتباغض بينهنّ، والأصل في العلاقة بينهنّ أنّها قائمةٌ على المحبّة والودّ والألفة، حيث قال ابن عاشور في كتاب التحرير والتنوير: إنّ الشرع يريد بقاء المودة بين الأختين، ولدفع الغيرة بينهما؛ حرّم الجمع، كما أنّ الجمع بين الأختين قد يؤدي إلى التباغض بين الأقارب، ممّا قد يؤدي إلى حصول قطيعة رحمٍ، وإنّ قطيعة الرحم محرّمةٌ، وقد حذّر الإسلام من قطيعة الرحم، وجعلها من كبائر الذنوب التي توجب اللعن والطرد من رحمة الله تعالى؛ فقطيعة الرحم تشمل الإساءة إلى الرحم، أو عدم الإحسان إليه، كما أنّ قطيعة الرحم تعدّ من صور الفساد في الأرض، كما أنّها تمنع من دخول الجنّة في الحياة الآخرة؛ فقاطع الرحم لا تقبل أعماله من الله تعالى، كما أنّ الإسلام حثّ على تقوية العلاقات بين المسلمين، وخدمة المسلم لأخيه المسلم، دون ظلمٍ أو تحقيرٍ أو اعتداءٍ على ماله وعِرضه ودمه.

المقصود بعدم الجمع بين الأختين

الجمع بين الأختين في الزواج محرم بكتاب الله تعالى حيث قال وهو يعدد المحرمات(وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف)[النساء:23] ومحرم بسنة رسول الله، ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما قالت له أم حبيبة: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان فقال: “أو تحبين ذلك؟” فقالت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن ذلك لا يحل لي” ثم قال صلى الله عليه وسلم: “فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن”.
والمقصود بعدم جمع الأختين: عدم جمعهما في عصمة رجل واحد، ولو كانت إحداهما في مشرق الأرض والأخرى في مغربها. وهذا مما أجمعت عليه الأمة.
قال الإمام القرطبي: (وأجمعت الأمة على منع جمعهما في عقد واحد من النكاح)
فإذا طلق الرجل زوجته فيمكن له أن يتزوج بأختها بعد انتهاء عدتها إذا كان طلاقه طلاقاً رجعياً.
واختلفوا إذا طلقها طلاقاً لا يملك رجعتها فيه، كأن يكون آخر ثلاثة مثلاً، فقالت طائفة: ليس له أن ينكح أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدة التي طلق، وروي عن علي وزيد بن ثابت وهو مذهب مجاهد وعطاء بن أبي رباح والنخعي وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي.
وقالت طائفة: له أن ينكح أختها ورابعة سواها، وروي عن عطاء، -وهذه الرواية أثبت الروايتين عنه – وروي عن زيد بن ثابت أيضاً، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وعروة بن الزبير وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد. قال ابن المنذر: ولا أحسبه إلا قول مالك، وبه نقول.

المحرّمات من النساء

تنقسم المحرّمات من النساء إلى: محرّماتٍ تحريماً مؤبداً، ومحرّماتٍ تحريماً مؤقتاً، أمّا المحرّمات تحريماً مؤبداً فهنّ: الأمّ، والجدّة مهما علت درجتها، والبنت، وبنت الابن، وبنت البنت، وبنت بنت الابن مهما نزلت درجتها، و الأخت الشقيقة، والأخت لأمّ، والأخت لأب، وبنت الأخت، وبنت ابن الأخت، وبنت بنت الأخت، وبنت الأخ، وبنت بنت الأخ، والعمّة، والخالة من أي الجهات كانتا، سواءً أكانت الصلة بين الرجل والمحرّمات صلة نسبٍ أو رضاعة؛ إذ إنّ الرضاعة تُحرّم بها ما يحرّم من النسب، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (يَحْرُمُ من الرَضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ)، كما أنّ من التحريم المؤبد؛ التحريم بين الزوجين المتلاعنين، فإنّ ممّا يترتّب على اللّعان بين الزوجين التفريق بينهما، دون أن تحلّ المرأة للرجل بعد ذلك، وممّا يحرم على الرجل بشكلٍ مؤبّدٍ؛ زوجة الأب وزوجة الجد، وزوجة الابن مهما نزلت درجته، ومن المحرّمات بمجرّد العقد على المرأة؛ أمّها وجداتها، أمّا المحرّمات بالدخول؛ فهنّ بنات الزوجة، وبنات أولادها، ومن المحرّمات تحريماً مؤقتاً بسبب الجمع؛ المرأة وأختها، والمرأة وخالتها، والمرأة وعمتها؛ وذلك للغيرة التي تكون بين الضرائر، ويحرم الجمع بين أكثر من أربع نسوةٍ في وقتٍ واحد، والتحريم المؤقت قد يكون بسبب عارضٍ ما، ومن ذلك: الزواج من المعتدّة؛ منعاً لاختلاط الأنساب، والتزوج من الزانية المعلوم زناها، إلا أن تتوب وتنتهي عدّتها، وزواج الرجل من المرأة التي طلّقها ثلاثاً، إلا أن يدخل غيره بها بزواجٍ صحيحٍ، ويحرم زواج المرأة المُحرِمة، إلا أن تتحلّل من إحرامها.

حكم الجمع بين الأختين:

لا يجوز للرجل أن يجمع بين أختين في عصمته بنكاح.
ويجوز الجمع بين الأختين بملك اليمين، ولكن إذا وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرِّم الموطوءة بإخراج عن ملكه، أو تزوج لها من غيره بعد الاستبراء.



968 Views