ماهو تعريف القدر وما هو الفرق بين القضاء والقدر وتعريف شامل لكل منهما من خلال مقالتنا هذه .
قدر
القدر تعلق الإرادة الذاتية بالأشياء في أوقاتها الخاصة، فتعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان وعين وسبب معين عبارة عن القدر. والقدر خروج الممكنات من العدم إلى الوجود، واحدًا بعد واحد، مطابقًا للقضاء، والقضاء في الأزل، والقدر فيما لا يزال. كذا في تعريفات الجرجاني.
تعريف
القدر يشير إلى مسار محدد مسبقا من الأحداث.
ويمكن أن ينظر إليه على أنه المستقبل المعد سلفا، وهو مفهوم يقوم على الاعتقاد بأن هناك ترتيب ثابت للطبيعية في الكون.
القدر يمكن أن ينظر إليه على انه تسلسل محدد من الأحداث التي لا مفر منها وغير قابلة للتغيير، أو أن الأفراد يمكنهم اختيار قدرهم من خلال اختيار مسارات مختلفة طوال حياتهم.
تعريف القضاء
قبل الخوض في إظهار الفرق بين القضاء والقدر، يمكن تعريف القضاء على أنَّه الحكم أو الحتم، قضى بالشيء أي حسمه وبتَّ في الأمر، ويكون القضاء بمعنى الخلق أيضًا، ويُقال قضاء الشيء أي الفصل به تمامًا، وقد أطلق القرآن الكريم لفظ القضاء بمعانٍ عديدة، وفيما يأتي أبرز معاني القضاء التي تناولها القرآن الكريم:
معنى الوصية والأمر: قال تعالى في سورة الإسراء: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
معنى الانتهاء والفراغ من الشيء: قال تعالى في سورة البقرة: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا…}.
معنى الإعلام بالشيء والإخبار به: قال تعالى في سورة الإسراء: {وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}.
معنى حسم الشيء: قال تعالى في سورة يوسف: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}.
معنى الخلق: قال تعالى في سورة فصلت: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا…}.
تعريف القدر
إنَّ القدر في اللغة مصدر للفعل قدر يقدرُ، أمَّا الاصطلاح القدر هو خروج أو انتقال الممكنات من العدم إلى الوجود، وهو التنفيذ العملي لما جاء في القضاء، فالقضاء كُتب في الأزل والقدر هو الذي لم يزل قيد التنفيذ، وقد وردَت كلمة القدر أيضًا في القرآن الكريم بمعانٍ عدة، من أبرز هذه المعاني:
معنى التضييق: قال تعالى في سورة الفجر: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}.
معنى التعظيم والتقديس: قال تعالى في سورة الزمر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.
معنى التدبير واختيار الأفضل: قال تعالى في سورة المرسلات: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}.
معنى القضاء والحكم: قال تعالى في سورة الواقعة: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}
مفهوم القدر لغة واصطلاحاً
القدر لغة: مأخوذ من التقدير، وهو الموازنة بين الأشياء، وقيل: هو مأخوذ من القدرة، وهذا صحيح؛ لأن القدر قدرة الله جل في علاه، وهو من لوازم ربوبية الله جل في علاه.
وشرعاً: هو الإيمان بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، هذا هو تعريف القدر شرعاً.
وقد بين الله جل في علاه مسائل القدر في كتابه بياناً جلياً، وأيضًا على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبين أهمية القدر، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، فما ترك شيئاً، وقد قال علماء اللغة وعلماء الأصول: (كل) نص في العموم لا تترك شيئاً بحال من الأحوال، فكل شيء مخلوق بقدر حتى أفعال العباد، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].
أيضًا قال الله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2].
وقال الله تعالى: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا [الأحزاب:38].
وقال جل في علاه مبيناً أن الهداية والإضلال من أبواب القدر، وأنهما بيد الله جل في علاه: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125]، فالإضلال والهداية من أبواب القدر، وهي بيد الله جل في علاه.
وجاء في المسند بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بكتاب على يمنيه، وكتاب على يساره، وقال: فرغ ربكم من العباد، ثم قال: هؤلاء لأهل الجنة ولا أبالي، بأسمائهم وأسماء آبائهم وختم على ذلك، وهؤلاء لأهل النار ولا أبالي، بأسمائهم وأسماء آبائهم وختم على ذلك)، فقد قدر الله كل شيء وكتبه في اللوح المحفوظ.
حكم الإيمان بالقضاء والقدر:
الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث جبريل الطويل فقال: “وأن تُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ”.
وقد دلَّ القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين والفطرة والعقل على وجوب الإيمان بالقدر، وأن من أنكر الإيمان بالقدر فقد كفر بالله تعالى وخرج من ملة الإسلام.
الأدلة من القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38]، وقال تعالى: ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾ [الأنفال: 42، 44]، وقال تعالى: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [النساء: 47]، وقال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].
وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 166]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 156، 157]، وغير ذلك من الآيات.
الأدلة من السنة النبوية:
لقد تضافرت الأدلة من السنة المطهرة على الإيمان بالقضاء والقدر، ومنها:
يقول -صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل الطويل: “وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ”، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ”.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: “وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ؛ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ الله وَمَا شَاءَ فَعَلَ”، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ”، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
وجوب الإيمان بالقدر:
والإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان الستة، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: “الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره”.
ومعنى الإيمان بالقدر من خلال التعريف السابق، أن نؤمن بأنه لا يقع مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا طبقاً لما أحاط به علمه، وسبق به كتابه، يقول سبحانه: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾ [الفرقان: 2]، ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
ويقول عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء”، فالإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان، وجزء أساسي، من عقيدة المسلم ينبغي التمسك به والحرص عليه.
الفرق بين مفهوم القضاء والقدر
وفق تعريف القضاء والقدر يمكن معرفة الفارق بينها، فالقضاء يشير إلى علم الله تعالى لكلّ ما هو كائن علماً أزلياً مشتملاً على مراتب ثلاث وهي مرتبة العلم؛ حيث علم الله كلّ ما هو كائن قبل خلق السّموات والأرض والنّاس، ومرتبة الكتابة حينما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما هو كائن إلى قيام السّاعة، ومرحلة المشيئة؛ حيث لا يوجد ولا يخلق إلا ما يشاءه سبحانه، أمّا القدر فهو أخصّ حيث يشير يشتمل على مراتب القضاء الثلاث بالإضافة إلى مرتبة رابعة وهي مرحلة التّنفيذ، والخلق، والإيجاد، وبينما يشير القضاء إلى الحكم الكلّي للموجودات المكتوب في الأزل في اللّوح المحفوظ يشير القضاء إلى تفصيلات هذا الحكم الكلّي ومراحله ظهوره الجزئيّة المتفرّقة عند تحقّق شروط وجودها، فالقضاء سابق، بينما القدر لاحق.