سوف نقدم لكم في هذا الطرح الشيق لمحات من حياة ابو بكر الصديق في هذه السطور .
أبو بكر الصديق
أبو بَكر الصّدِّيق عبد الله بن أبي قُحافة التَّيمي القُرَشيّ (50 ق هـ – 13هـ / 573م – 634م) هو أولُ الخُلفاء الراشدين، وأحد العشرة المُبشرين بالجنَّة، وهو وزيرُ نبيّ الإسلام مُحمد وصاحبهُ، ورفيقهُ عند هجرته إلى المدينة المنورة. يَعدُّه أهل السنة والجماعة خيرَ الناس بعد الأنبياء والرسل، وأكثرَ الصَّحابة إيماناً وزهداً، وأحبَّ الناس إلى النبي مُحمد بعد زوجته عائشة. عادة ما يُلحَق اسمُ أبي بكرٍ بلقب الصّدِّيق، وهو لقبٌ لقَّبه إياه النبي مُحمد لكثرةِ تصديقه إياه.
ولد أبو بكر الصدِّيق في مكة سنة 573م بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر،
وكان من أغنياء قُريش في الجاهليَّة، فلما دعاه النبي مُحمد إلى الإسلام أسلمَ دون تردد، فكان أول من أسلم مِن الرجال الأحرار. ثم هاجر أبو بكر مُرافقاً للنبي مُحمد من مكة إلى المدينة، وشَهِد غزوة بدر والمشاهد كلها مع النبي مُحمد، ولما مرض النبي مرضه الذي مات فيه أمر أبا بكر أن يَؤمَّ الناس في الصلاة. توفي النبي مُحمد يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وبويع أبو بكر بالخِلافة في اليوم نفسه، فبدأ بإدارة شؤون الدولة الإسلامية من تعيين الولاة والقضاء وتسيير الجيوش، وارتدت كثير من القبائل العربية عن الإسلام، فأخذ يقاتلها ويُرسل الجيوش لمحاربتها حتى أخضع الجزيرة العربية بأكملها تحت الحُكم الإسلامي، ولما انتهت حروب الرِّدة، بدأ أبو بكر بتوجيه الجيوش الإسلامية لفتح العراق وبلاد الشَّام، ففتح مُعظم العراق وجزءاً كبيراً من أرض الشَّام. توفي أبو بكر يوم الإثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ، وكان عمره ثلاثاً وستين سنة، فخلفه من بعده عمر بن الخطَّاب.
صفات أبي بكر
كان رضي الله عنه أبيض البشرة، ونحيف الجسم، وفي ظهره انحناء خفيف، وخفيف العارضين، وغائر العينين، وناتئ الجبهة أي بارزها، ومعروق الوجه، وكان رضي الله عنه كريم النَّفس، وذا خُلق سمح. كان أبو بكر يلقَّب بالصِّدِّيق؛ بسبب تصديقه للنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام في كلِّ ما جاء به وبكل خبر يأتيه، وخاصَّة تصديقه لحديث النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام في قصَّة الإسراء والمعراج.
خلافة أبي بكر
بعد وفاة النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام اجتمع كبار الأنصار والمُهاجرين في سقيفة بني ساعدة واتَّفقوا على مبايعة أبي بكر رضي الله عنه للخلافة، ثمَّ بايعه بقيَّة النَّاس بعد ذلك بالمسجد، وكان أوَّل عمل قام به بعد تولِّيه للخلافة هو إنفاذ جيش أسامة بن زيد الَّذي جهَّزه النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام قبل وفاته، للثَّأر من الرُّوم بعد معركة مؤتة.
حروب الرِّدَّة في خلافة أبي بكر
وقعت في بداية خلافة أبي بكر مشكلة عظيمة تمثَّلت في ردَّة عدد من القبائل عن الإسلام، فقرَّر أبو بكر لحلِّ هذه المشكلة تجهيز جيوش المسلمين لقتال هذه القبائل؛ فجهَّز رضي الله عنه أحد عشر جيشاً، وعيَّن لكلِّ جيش قائداً وحدَّد اتِّجاهه بحيث لا يبقى جزء من أجزاء الجزيرة ولا قبيلة من قبائلها دون أن يمرَّ عليها جيش من جيوش المسلمين.
ولَّى أبو بكر رضي الله عنه خالد بن الوليد على الجيش الأوِّل المتَّجه إلى طيء، ثمَّ إلى بني أسد الَّتي يقودها طليحة بن خويلد الأسدي، ثمَّ إلى بني تميم وفيهم مالك بن نويرة، ثمَّ أمره الصِدّيق أن يتوجَّه بعد الانتهاء من قتال هؤلاء القبائل لمساعدة الجيشين الثَّاني والثَّالث في قتال بني حنيفة أخطر المرتدِّين وكان قائدهم هو مسيلمة الكذَّاب، وكان عكرمة بن أبي جهل قائد الجيش الثَّاني، وشرحبيل بن حسنة قائد الجيش الثَّالث، واتَّجه الجيشان الخامس والسَّادس إلى الشَّام، والسَّابع إلى البحرين، والثَامن والتَّاسع إلى عُمان، والجيشان العاشر والحادي عشر إلى اليمن.
من أبرز الوقائع الَّتي وقعت في حروب المرتدَّين معركة اليمامة بقيادة خالد بن الوليد، الَّتي قُتل فيها مسيلمة الكذَّاب رأس الفتنة وكبير المرتدين على يد وحشي بن حرب بحربته، وأبي دجانة بسيفه، وقُتل فيها من المرتدين 21.000 قتيلاً، ومن المسلمين 1.200 شهيداً منهم الكثير من حفظة القرآن.
مواقف اختبرت شجاعة أبو بكر الصديق
“أبو بكر رَجُلٌ أَسِيفٌ” بمعني رقيق القلب” هكذا ردت السيدة عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلي الله عليه وسلم ،عندما أمرها بإبلاغ والدها الصديق بأن يؤم المسلمين في مرض الرسول.
رقة القلب ليست الصفة الوحيدة التي التصقت بسيدنا أبو بكر طوال حياته ،فقدأطلق عليه أيضا ” الأوّاه ” لرأفته”،وبل حاز الصديق الفضائل كلها من صدق وإمانة ورحمة بالعبيد وعطف علي الفقراء والمحتاجين لدرجة أن الرسول صلي الله عليه وسلم وصفه بأنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها .
رقة القلب لا تنفي وجود جانب مغاير من صفات خليفة المسلمين الأول ،وهي جانب القوة والإصراروالذي ظهر بشدة في تصميمه علي حرب المرتدين ومدعي النبوة لدرجة أنه قال:”و الله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم عليه “.
الشجاعة كانت أيضا مظهرا واضحا في مسيرة سيدنا أبي بكر، سواء فيما يتعلق بنصرة الدعوة الإسلامية أو في غزوات الرسول حيث روت السيدة عائشة مواقف تدل علي شجاعة أبي بكر في نصرة الدعوة .
الموقف الأول تمثل في اجتماع صحابة النبي يوما وكانوا تسعة وثلاثين رجلاً، فاقترح أبو بكر على النبي الكريم ،الاختفاء عن المشهد ولو قليلا ، وعندما اقتنع الرسول الكريم بقوله خرج المسلمون وتفرقوا في نواحي المسجد، ثمَّ وقف الصديق خطيباً يدعو إلى دين الله تعالى.
وما أن بدأ خطب أبو بكر في المشركين ثأروا عليه المشركون وضربوه ضربا شديداً حتى أغمي عليه، من شدة الضرب حماية للنبي ، ثمَّ جاءت عشيرته فأجلوه من بين يد المشركين، وحملوه إلى أهله.
عروة بن الزبير كانت له رواية ،تؤكد شجاعة الصديق فقد سأل يوماً ابن عمرو بن العاص ،عن أشد ما وجد النبي عليه الصلاة والسلام من المشركين، فذكر له أنَّ النبي كان يصلي في حجر الكعبة فجاء عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه على عنقه فخنقه خنقاً شديداً.
وما أن رأي أبو بكر ما يتعرض له رسول الله حتي جاء فوضع يده على كتف عقبة ثمَّ دفعه عن رسول الله، وهو يقول: “َتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ”
الشجاعة في المعارك كانت بارزة بقوة في مسيرة سيدنا أبو بكر الصديق ،وهو ما أكده مقاتل فذ وهو سيدنا علي أبن أبي طالب بقوله : كان أشجع الناس ،ويقصد الصديق بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام.
حياته قبل الإسلام:
كان أبوبكر تاجرًا ذا خلق ومعروف، وكانوا يألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته، وكان بعيدًا عما يفعله الكثير من الناس في الجاهلية من شرب الخمر وفعل الموبقات، وقد أكدت السيدة عائشة ذلك، إذ قالت: (والله لقد ترك أبوبكر شرب الخمر في الجاهلية، وما ارتاب أبوبكر في الله منذ أسلم) وقالت: (حرم أبوبكر رضي الله عنه الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا إسلام) كما أنه ــ رضي الله عنه، رفض الاستجابة لأبيه في عبادة الأصنام، (ولم يسجد لصنم قط)، وكان أبوبكر أعلم قريش بأنسابها، بل كان ــ كما قال ابن إسحاق ــ أنسب العرب وكان رجلا مؤلفًا لقومه محببًا سهلا وأعلم قريش مما كان منها من خير أو شر.
وما قصة إسلام سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه؟
كان أبوبكر الصديق أول من آمن برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصدقه وناصره وآزره، لم يتردد أبوبكر عندما عرض عليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، الإسلام، فكان بذلك متفردًا عن غيره كما جاء في حديث رسول الله: (وما عرضتُ الإسلام على أحد إلا كانت له كَبْوَة، إلا أبو بكر، فإنه لم يَتَلَعْثَم في قوله)، والمراد: أن أبا بكر رضي الله عنه لم يتوقف في تصديقه النبي – صلى الله عليه وسلم – كما يجري للعاثر، إنما بادر إلى التصديق.
وكان عمار بن ياسر يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما معه إلا خمسة أعبدوامرأتان وأبوبكر).
والده أبوقحافة:
أسلم أبوقحافة عام فتح مكة، وقد جاء به أبوبكر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، (لو أقررت الشيخ- يعني أبا قحافة- لأتيناه مكرمة لأبي بكر).
دعوة قومه للإسلام:
كان أبوبكر رجلًا مؤلفًا لقومه، محببًا إليهم، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلًا تاجرًا، ذا خلق معروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لحسن مجالسته ولتجارته ولغير ذلك؛ فكان ذلك باعثًا ومشجعًا لدعوة من يثق بهم من هؤلاء إلى الإسلام الذي آمن به وأخلص له وجعله منهاج حياته ومجال فكره وسلوكه، فهدى الله على يديه جماعة من كبار الصحابة الذين عز بهم الدين وعزوا به، وكان إسهامهم السياسي والعسكري من أعظم وأهم إسهامات نصرة هذا الدين وإعزاز دولته، وهؤلاء هم: عثمان بن عفان، وعبدالرحمن بـن عوف، وسعـد بن أبي وقـاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، فضلا عن بلال بن رباح مؤذن الرسول، صلى الله عليه وسلم.
ما أهم فضائل سيدنا أبوبكر الصديق وما الامتيازات التي تفرد بها عن غيره؟ وكيف كانت حياته؟
تدلنا مواقف أبي بكر الصديق في حياة النبي “صلى الله عليه وسلم”، وبعد وفاته، على أنه كان الرجل الثاني بعده، وهذه المنزلة بوأها له رسول الله “صلى الله عليه وسلم”، أكثر من مرة، سواء في الصلاة بالناس، أو الحج بهم، في حياته، “صلى الله عليه وسلم”، أو في اختياره ليكون معه في هجرته من قبل، وتتجلى أفضليته في قوله “صلى الله عليه وسلم”، (اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر) قال عبدالله بن جعفر: ولينا أبوبكر فكان خير خليفة الله، وأرحمه بنا وأحناه علينا، وهذا إنما هو تقدير وتقييم طبيعيان لما أبـلاه أبوبكر في خدمة هذا الدين بنفسه وماله وكل ما يملك.
40 ألف درهم:
فقد كان أبوبكر، كما يذكر ابن سعد، معروفًا بالتجارة، وقد بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، وعنده أربعون ألف درهم، فكان يعتق منها ويقوي المسلمين حتى قدم المدينة بخمسة آلاف درهم، ثم كان يفعل فيها ما كان يفعل بمكة، وقد أكد الطبري هذا السخاء واللين عند أبي بكر، ولا يختلف في ذلك المؤرخون، وكما سبق، فقد كان أبوبكر أول من أسلم، دون تردد، وصدق وآزر ونصر، بل وجعل من نفسه أحد الدعاة للإسلام بين قومه فأسلم على يده جماعة من كبار الصحابة، وقد تفرد أبوبكر مع رسول الله، “صلى الله عليه وسلم”، بأعظم حدث في تاريخ الإسلام، وهو الهجرة بهذا الدين من أرض أعدائه إلى أرض أنصاره.
وتفرد سيدنا أبوبكر، حينما أمره رسول الله، “صلى الله عليه وسلم”، أن يحج بالناس في العام التاسع الهجري، كما أمره، “صلى الله عليه وسلم”، أن يصلى بالناس في مرض موته، وعندما راجعته عائشة في ذلك، أصر النبي، “صلى الله عليه وسلم”، على أبي بكر، فأم الناس في أعظم أمور دينهم ودنياهم، وكان ثباته جليًا وإيمانه قويًا في أعظم زلزال زلزل المسلمين فمادت الأرض من تحتهم، أو كادت تميد بهم، عندما فقدوا رسولهم وسيدهم وقدوتهم، وصلتهم بربهم، ألفوه وألفهم وأحبوه وأحبهم وعايشوه وعايشهم، كانوا منه وكان منهم، فكان المصاب أليم والخطب جلل، فثبت الله إيمانه وقوى عزيمته وثبت به المسلمين.
القائد القوي كريم الطباع:
حياة سيدنا أبوبكر الصديق فيها كثير من المواقف القوية، التي لها تأثير في حياة المسلمين، فقد ضرب للإنسانية جمعاء أعظم النماذج في سياسة القائد، وصدق الصاحب، وتضحية المحب، وفي كل ما ينعت به الإنسان من عظيم الصفات، وكريم الطباع، قال رسول الله، “صلى الله عليه وسلم”، فيما أخرجه البخاري: (خطب رسول الله “صلى الله عليه وسلم” الناس وقال إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله، قال فبكى أبوبكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله “صلى الله عليه وسلم” عن عبد خير فكان رسول الله “صلى الله عليه وسلم” هو المخير، وكان أبوبكر أعلمنا فقال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر).
وقد بشر أبوبكر بالجنة وقال له النبي، “صلى الله عليه وسلم”، (أما أنك أول من يدخله باب الجنة من أمتي)، وليس غريبًا بعد ذلك، أن يكون أبوبكر أحب أصحاب رسول الله إليه كما ذكرت السيدة عائشة عندما سئلت: أي أصحاب رسول الله، “صلى الله عليه وسلم”، أحب إلى رسول الله؟ قالت: أبوبكر، ….)
وفى هذا الإطار جاء قول عمر بن الخطاب: (كان أبوبكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكما كان أبوبكر هو أحب الناس إلى رسول الله، كان أيضًا أفضلهم عند أصحابه، فقد أخرج البخاري عن ابن عمر قال: (كنا نخير بين الناس في زمن النبي، “صلى الله عليه وسلم”، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعًا).
ومن ثم فإن مكانه الطبيعي بعد وفاة رسول الله، “صلى الله عليه وسلم”، أن يكون قائدًا للمسلمين وإمامًا لهم، فبلاؤه اللاحق سيكون امتدادًا لبلائه السابق وزيادة عليه، وهذا ما ذكره التاريخ وأثبتته الأحداث، وكان حرص المسلمين على ذلك وعملهم عليه مسبوقًا بحرص النبي، “صلى الله عليه وسلم”، على ذلك وعمله عليه، ففضلًا عما أنف ذكره من دلائل ذلك في حياة النبي، “صلى الله عليه وسلم”.
وفاة أبو بكر
توفى أبو بكر في السنة الثالثة عشر من الهجرة، وكانت وصيته أن يتم دفنه إلى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكانت الآية رقم 101 من سورة يوسف هي آخر ما ينطق به قبل الوفاة وهي ” توفّني مُسلمًا وألحقني بالصّالحين”، وحزن الجميع لأنهم أحبوه كثيراً لصدقه وإخلاصه مع الرسول.