من بنى مسجد قبة الصخرة نتحدث عنه من خلال مقالنا هذا كما نذكر لكم مجموعة متنوعة أخرى من الفقرات المميزة مثل السبب السياسي لبناء مسجد قبة الصخرة ومراحل البناء والتأسيس وإعادة الإعمار لقبة الصخرة ثم الختام زخارف قبة الصخرة المشرفة تابعوا السطور القادمة.
محتويات المقال
من بنى مسجد قبة الصخرة
-باني قبّة الصّخرة هو عبد الملك بن الحكم بن أبي العاص، ويُكنّى أبا الوليد، وُلِدَ في سنة 26 للهجرة، وكان قبل الخلافة عابداً زاهداً فقيهاً مُلازِمَاً للمساجد، كانت أيامه أيام صراع سياسي في الدولة الإسلاميّة؛ إذ إنّه حارب واستطاع القضاء على خلافة عبدالله بن الزبير، وحارب الخوارج، وواجه ثورات داخلية متعددة، وشهدت دولته عدداً من الفتوحات الإسلاميّة، وكان من أبرز ولاته الحجاج الثقفي.
-اختلفت الآراء في الدوافع التي جعلت عبد الملك بن مروان يأمر ببناء قبة الصخرة، فمنهم من رآه تعظيماً لبيت الله المسجد الأقصى، ومنهم من رأى بناءه سياسياً ليصد الناس عن بيعة عبد الله بن الزبير في مكّة، لكنّه عبّر عن فكرته تجاه هذا البناء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجِدَ : المسجِدِ الحرامِ والمسجِدِ الأقصى ومسجدي هذا).
السبب السياسي لبناء مسجد قبة الصخرة
-كان مدينة بيت المقدس هي الأخرى مدينة مقدسة عند المسلمين. وقد أصبح العرب من القرن الثامن الميلادي يؤلفون الكثرة الغالبة من سكانها وأراد الخليفة عبد الملك بن مروان أن يكون فيها مسجد للمسلمين لا يقل فخامة عن كنيسة القبر المقدس حين جددت بعد أن دمرها كسرى أبرويز، فاستخدم خراج مصر في تشييد عدة صروح تعرف في مجموعها باسم الحرم الشريف، وشيد في الطرف الجنوبي من المدينة (691-694) المسجد الأقصى. وقد دمر زلزال هذا المسجد في عام 746، ثم أعيد بناؤه في عام 785، وأدخلت عليه فيما بعد تعديلات كثيرة، ولكن القبلة لا تزال كما كانت في أيام عبد الملك، كما أن معظم العمد مأخوذ من بازيليكا جستنيان التي كانت قائمة في أورشليم. ويرى المقدسي أن بيت المقدس أجمل من المسجد الأموي العظيم المقام في دمشق، ويقول المسلمون إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد التقى فيهِ بإبراهيم، وموسى، وعيسى، وأنه صلى فيه معهم، وانه رأى بالقرب منه الصخرة (التي يعتقد بنو إسرائيل أنها “سرة الدنيا”) والتي أراد إبراهيم أن يضحي عندها بإسحق (حسب المعتقد اليهودي)، والتي تلقى عندها موسى تابوت العهد[بحاجة لمصدر](بالرغم من أن موسى لم يدخل فلسطين)، والتي شاد عندها سليمان وهيرود هيكلهما. ويؤمن المسلمون أن النبي محمد Mohamed peace be upon him.svg صعد عندها إلى السماء، بل ويعتقد بعض المسلمين أن الإنسان لو أوتي إيماناً قوياً لأبصر في الصخرة أثار قدميه.
-وما أن استولى عبد الله بن الزبير، في عام 684، على مكة وما يدخل فيها من إيراد الحج، أراد عبد الملك أن يجتذب إلى الشام أموال الحج، وأن يحج الناس إلى الصخرة بدلاً من أن يحجوا إلى الكعبة، فأقام صناعه على بناء هذه التحفة التاريخية (691) “قبة الصخرة” الشهيرة على الطراز البيزنطي-السوري، وسرعان ما أضحت هذه القبة “رابعة عجائب العالم الإسلامي” (والثلاث الأخرى هي مساجد مكة والمدينة ودمشق). ولم يكن هذا البناء في أول امره مسجداً، بل كان حرماً مقدساً حول الصخرة؛ وقد أخطأ الصليبيون مرتين حين أطلقوا عليه اسم “مسجد عمر”. ويبلغ ارتفاع القبة 112 قدماً، وهي قائمة على بناء ذي ثمانية أضلاع مشيد من الحجارة المربعة. ويبلغ محيط هذا البناء 528 قدماً. والقبة نفسها مصنوعة من الخشب ومغطاة من الخارج بالنحاس الأصفر المذهب ذي النقوش البارزة. وللبناء أربعة أبواب جميلة-عتباتها مصفحة بالبرونزتؤدي إلى الداخل الذي تقسمه صفوف من العمد المتخذة من المرمر المصقول، متتالية ومتحدة في المركز، إلى أشكال مثمنة الأضلاع كل منها أصغر من الذي في خارجه. وهذه العمد الفخمة من الآثار الرومانية القديمة، وتيجانها بيزنطية الطراز.
-وتمتاز الأجزاء التي بين العقود بما فيها من قطع الفسيفساء، التي تصور أشجاراً لا تقل في جمالها عن تصوير كوربيه Courbet. وأجمل من هذا على جماله فسيفساء الجزء الأسفل من القبة. وعلى الطنف التي فوق العمد الخارجية نقش بالخيط الكوفي ذو حروف صفراء على قطع من القرميد زرقاء، أمر به صلاح الدين في عام 1187، وهو مثل جميل رائع من هذه الزخرفة المعمارية الفذة. وتحيط العمد بهذه الصخرة الضخمة غير المنتظمة الشكل التي يبلغ محيطها مائتي قدم. وقد وصفها المقدسي بقوله “فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة، وتلألأت المنطقة، ورأيت شيئاً عجيباً. وعلى الجملة لم أر في الإسلام ولا سمعت أن في الشرق مثل هذه القبة”(80) وقد أخفق عبد الملك فيما كان يسعى من إحلال هذه الصخرة عند المسلمين محل الكعبة، ولو أنه نجح فيما كان يبتغيه في أن يجعل بيت المقدس مركز الأديان الثلاثة التي كانت تتنافس في الاستحواذ على روح الإنسان في العصور الوسطىوقد أورد اليعقوبي هذا السبب، واتهم فيه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بنية تحويل قبلة الحجاج عن الكعبة المشرفة في مكة المكرمة إلى الصخرة في بيت المقدس مانعاً في ذلك مبايعة الحجاج لعبد الله بن الزبير في مكة. إذ لا يخفى عن بال كل فطين شيعية المؤرخ اليعقوبي ومدى معارضته للخلافة الأموية التي أكثر من تشويه صورتها مقابل الخلافة العباسية.
مراحل البناء والتأسيس وإعادة الإعمار لقبة الصخرة
إنّ قبّة الصّخرة مرّت على مراحل تاريخيّة عديدة شهدت بناءها وإعادة الإعمار فيها ابتداءً من العَهد الأموي، وامتداداً لكلّ عهود الخلافة الإسلاميّة
– مرحلة البناء والتأسيس
شهد العهد الأموي أكثر مرحلة بناءً داخل أسوار المسجد الأقصى المبارك؛ إذ إنّهم شيّدوا قبّة الصخرة المشرّفة، وقاموا ببناء المسجد القِبَلي، ففي سنة 66 للهجرة شرع مهندسو الدولة الأموية ببناء القبّة، وأبدعوا في عمارتها إبداعاً مذهلاً؛ حيثُ استمرّ البناء لمدّة ست سنوات؛ أي انتهت في 72 للهجرة. أمّا عن الصّخرة المشرّفة، فدارت حولها الكثير من القصص، فمن الناس من قال بأنّ لها نوراً، ومنهم من قال بأنّها معلّقة في السماء، ومنهم من قال بأنّها لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء، والصحيح أنّ مُجملها خرافات ليس لها نصيبٌ من الصحّة بحسب أقوال الباحثين، فهي ليست أكثرَ من صخرة طبيعيّة كانت في السابق قبلةَ أنبياء بني إسرائيل، وهي الصّخرة التي عرج منها النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وفيها تجويفٌ طبيعيٌ يُدعى مغارة الأرواح، وهي ظاهرة للعيان حتى يومنا هذا.
– مراحل إعادة الإعمار
تعرّضت مدينة القدس لعوارض طبيعية عديدة خلال تاريخها، فكان لا بدّ من إعادة صيانتها بين الفينة والأخرى، وممّا يُذكَر أنّ المدينة قد تعرّضت لزلزالين في العهد العباسي؛ ممّا دعى الخلفاء لإعادة ترميم ما تضرّر من المسجد والقبّة، وتعرّضت المدينة أيضاً لزلزالين عنيفين في العهد الفاطمي حتى أنّه في أحدِهما وقعت القبّة على الصّخرة، فتمت إعادة الترميم آنذاك، وفي فترة الاحتلال الصليبي تعرّضت القبّة إلى محاولات لطمس معالمها وصبغها بمعالم صليبيّة، لكنّ الناصر صلاح الدين الأيوبي أمر بإعادتها إلى ثوبها الإسلامي الأنيق بعد التحرير مباشرة، وفي العهد المملوكي والعثماني اكتست القبّة بأجمل لوحات الفسيفساء الثمينة، وتم تجديد ما لَزم وخَرب طوال السنين الماضية، وفي العصر الحديث تتعرّض القبّة لمحاولات تخريب وطمس لمعالمها الإسلامية من قِبَل الاحتلال الصهيوني وصبغها بثوبٍ صهيوني لا ترتضيه، كما تقوم السلطات الأردنية بشكل رئيس بعمليات ترميمٍ مستمرّة.
زخارف قبة الصخرة المشرفة
-الزخارف القاشانية
القاشاني هو ذلك الأجر المزجج والملون والذي يعرف في بلادنا بالبلاط الصيني. وقد استخدم لأول مرة في عمارة قبة الصخرة المشرفة في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني الذي قام باستبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية منذ العهد الأموي، بالبلاط القاشاني المزجج والملون وذلك في سنة 959هجرية/ 1552 ميلادية وقد عرف بالبلاط القاشاني نسبة إلى مدينة قاشان الواقعة في خراسان في بلاد فارس، حيث كان في بادئ الأمر يصنع في هذه المدينة وينقل بعد ذلك إلى البلاد المراد استخدامه فيها وإن القاشاني الذي استخدم في عمارة قبة الصخرة في عهد السلطان سليمان القانوني، كان قد صنع في قاشان ومن ثم نقل إلى القدس ولكن ما لبثت هذه الصناعة أن انتقلت في نهاية القرن السادس عشر إلى القدس وذلك عن طريق استقطاب صنّاع مهرة من بلاد فارس ليقوموا بتصنيع البلاط في القدس نفسها، فقد تعلمها الكثير من صنّاع أهل الشام وفلسطين فنقلوها إلى بلاد الشام بسرعة فائقة، حتى غدا هذا الفن منتشراً ومشهوراً في القرنين السابع والثامن عشر الميلادي في بلاد الشام .
-الزخارف الرخامية
لقد استخدم الفنان المسلم المادة الرخامية في زخرفة قبة الصخرة المشرفة بشكل ملفت للنظر، حيث استخدمها في الأعمدة وتيجانها وفي تكسية الواجهات الداخلية والخارجية للتثمينة الخارجية وكذلك في تكسية الدعامات الحجرية، ولكن ثمة عنصر آخر شكله من المادة الرخامية أيضاً وهو الأفاريز الرخامية (الإطارات) التي علت الدعامات الحجرية المكسية بالرخام، وكذلك الواجهات الداخلية للتثمينة الخارجية، حيث جاءت هذه الأفاريز الرخامية المحفورة والمزخرفة بزخارف نباتية وهندسية، متجانسة إلى حد كبير مع الزخارف الفسيفسائية من ناحية ألوانها وموضوعات زخرفتها. وقد عرف أسلوب عمل هذه الأفاريز الرخامية باسم (Champelve) ، حيث اشتهر في العصرين البيزنطي والأموي. وأن جميع هذه الأفاريز الرخامية الموجودة في قبة الصخرة المشرفة، لتعود إلى الفترة الأموية متزامنة مع تاريخ بنائها سنة 72هجرية/ 691 ميلادية ويجدر الإشارة أيضاً إلى الزخارف الخشبية التي جاءت أيضاً متجانسة في عناصرها وموضوعاتها مع الزخارف الفسيفسائية والرخامية في قبة الصخرة المشرفة.