نقدم لكم في هذا الطرح مواقف من حياة الصحابة وماهو عدد الصحابة من خلال هذه السطور التالية.
صحابة
صَحَابَةُ النَّبِيّ مفرده صَحَابِيّ، مصطلح تاريخي يقصد به حملة رسالة الإسلام الأولين، وأنصار النبي محمد بن عبد الله المدافعين عنه، والذين صحبوه وآمنوا بدعوته وماتوا على ذلك. والصحبة في اللغة هي الملازمة والمرافقة والمعاشرة. رافق الصحابة رسول الله محمد بن عبد الله في أغلب فترات حياته بعد الدعوة، وساعدوه على إيصال رسالة الإسلام ودافعوا عنه في مرات عدة. وبعد وفاة رسول الله محمد بن عبد الله قام الصحابة بتولي الخلافة في الفترة التي عرفت بعهد الخلفاء الراشدين، وتفرق الصحابة في الأمصار لنشر تعاليم الإسلام والجهاد وفتح المدن والدول. وقاد الصحابة العديد من المعارك الإسلامية في بلاد الشام وفارس ومصر وخراسان والهند وبلاد ما وراء النهر.
أنواع وأعداد الصحابة
يقسم التاريخ الإسلامي الصحابة الذين عاصروا النبي إلى نوعين:
-المهاجرون وهم أصحاب النبي الذين أمنوا بدعوته منذ البداية وهاجروا معه من مكة إلى يثرب التي سميت بالمدينة المنورة.
الأنصار وهم من نصروا النبي من أهل المدينة المنورة بعد الهجرة،
وهناك من يضيف فئتين من الأنصار هما:
البدريون وهم من ساند النبي في معركة بدر.
و”علماء الصحابة” وهم الصحابة الذين تفرغوا للعلم.
لا يمكن القطع بعدد الصحابة بين كتاب السيرة النبوية
وذلك لتفرقهم في البلدان والقرى والبوادي. تم ذكر اسماء الصحابة في العديد من المدونات الإسلامية منها “كتاب الطبقات الكبير” لمحمد بن سعد، وفي كتاب “الإستيعاب في معرفة الأصحاب” لحافظ القرطبي” والذي ذكر فيه تاريخ 2770 صحابي و381 صحابية. وبحسب ما ذكر في كتاب “المواهب اللدنية بالمنح المحمدية”، لشهاب الدين القسطلاني، كان هناك حوالي عشرة ألاف صحابي حين فتحت مكة، و 70 الفا في معركة تبوك عام 630م، وكان هناك 124000 صحابي حضروا حجة الوداع.
صور من مواقف الصحابة في الاستجابة
1- قصة الخاتم من الذهب:
لما رأى الصحابة في يد النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتَمًا مِن ذهب، لبسوا خواتيم من ذهب، فلما خلَعه خلعوا خَواتيمَهم.
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اصطَنع خاتَمًا مِن ذهب، وكان يَلبسه فيجعَل فصَّه في كفِّه، فصنَع الناس خواتيم، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه، فقال: ((إني كنتُ ألبس هذا الخاتم وأجعل فصَّه من داخل)) فرمى به ثم قال: ((والله لا ألبسه أبدًا)) فنبَذ الناس خواتيمهم.
و لمّا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يد رجل خاتمًا مِن ذهبٍ نزَعه منه وطرَحه أرضًا، فمِن حرْص الرجل على طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفَض أن يرفَع الخاتم الذي طرحه رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم.
عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتمًا في يد رجل فنزعه فطرَحه، وقال: ((يَعمِد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده!))، فقيل للرجل بعدما ذهَب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: خذ خاتمك انتفِع به، قال: “لا والله، لا آخُذه أبدًا؛ قد طرحه رسول الله – صلى الله عليه وسلم”.
2 – قصة خلع النعال:
وحينما خلَع النبي -صلى الله عليه وسلم- نعلَيه في الصلاة خلع الصحابة نِعالهم؛ تأسيًا ومُتابعة له، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي بأصحابه إذ خلَع نعليه فوضَعهما على يَساره، فلما رأى ذلك القوم ألقَوا نِعالهم، فلما قضَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته، قال: ((ما حملكم على إلقاء نِعالكم؟)) قالوا: رأيناك ألقيتَ نعلَيك فألقَينا نِعالنا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن جبريل – عليه السلام – أتاني فأخبرني أن فيها قذرًا))، أو قال: ((أذى)) وقال: ((إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظرْ فإن رأى في نعلَيه قذرًا أو أذًى فليَمسحه وليُصلِّ فيهما)).
3- الصحابة يزجرون أبناءهم:
هذا أثر فيه قوة في زجر الصحابة لمن لا يستجيب لقول الله ورسوله، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تَمنعوا إماء الله أن يُصلِّين في المسجد)) فقال ابنٌ له: “إنا لنَمنعهنَّ”، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: “أُحدِّثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: إنا لنَمنعهنَّ؟!”؛ وهو غير قصَّة ولد ابن عمر في الصحيحَين.
4 – سرعة الاستجابة من الصحابة:
عن أبي مسعود البدري قال: “كنتُ أَضرِب غلامًا لي بالسوط، فسمعتُ صوتًا مِن خلفي: ((اعلم أبا مسعود))، فلم أفهم الصوت مِن الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يقول: ((اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود)) قال: فألقيتُ السَّوط من يدي، فقال: ((اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام))، قال: فقلت: لا أَضرِب مملوكًا بعده أبدًا؛ رواه مسلم.
5- الاستجابة في الحجاب:
هذه أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنهما-: يَصفْنَ حال نساء الصحابة -رضي الله عنهن- عند نزول آية الحجاب، انظر رَحِمك الله إلى المسارعة في طاعة الله ورسوله، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: يَرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزَل الله -عز وجل-: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، شقَقْن أَكثَف مُروطِهنَّ فاختَمرنَ بها؛ رواه أبو داود وعلَّقه البُخاري، وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: لما نزلت: ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 59] خرَج نساء الأنصار كأن على رؤوسهنَّ الغِربان مِن الأكسية؛ رواه أبو داود.
6- التزام قولِه وإن خاف عليه
عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: كنتُ أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حرة المدينة فاستقبَلَنا أُحدٌ، فقال: ((يا أبا ذر)) فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((ما يَسرُّني أن عندي مثل أُحد ذهبًا تمضي علي ثالِثة وعندي منه دينار، إلا شيئًا أرصده لدَين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا، وهكذا، وهكذا)) عن يَمينه وعن شماله ومِن خلفه، ثم مشَى فقال: ((إن الأكثرين هم الأَقلُّون يوم القيامة، إلا مَن قال هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومِن خلفه، وقليلٌ ما هم))، ثم قال: ((مكانك لا تَبرحْ حتى آتيك))، ثم انطلَق في سواد الليل حتى توارى فسمعتُ صوتًا قد ارتفَع فتخوَّفتُ أن يكون قد عرَضَ للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأردتُ أن آتيه، فذكرتُ قوله لي: ((لا تبرَح حتى آتيك))؛ فلم أبرح حتى أتاني، فقلتُ: يا رسول الله، لقد سمعتُ صوتًا تخوَّفتُ فذكرتُ له، فقال: ((وهل سمعتَه؟))، قلت: نعم، قال: ((ذلك جبريل أتاني فقال: مَن مات مِن أمتك لا يُشرِك بالله شيئًا، دخل الجنة))، قلت: وإن زنى؟ وإن سرَق؟ قال: ((وإن زنى، وإن سرق)).
7- حبُّ شيء أحبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم-:
عن أنس -رضي الله عنه- أن خياطًا دعا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنَعه، قال أنس: “فذهبتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك الطعام، فقرَّب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبزًا ومرقًا فيه دُبَّاء وقديد، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتتبَّع الدباء مِن حوالي القَصعة”، قال: “فلم أزل أُحبُّ الدُّبَّاء مِن يومئذ.
8- نالتها دعوة عظيمة لمَّا استجابت للرسول:
عن أبي بَرزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أَيِّم لم يُزوِّجها حتى يَعلم هل للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيها حاجة أم لا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل من الأنصار: ((زوِّجني ابنتك))، فقال: نعم وكرامة يا رسول الله ونُعْم عيني، فقال: ((إني لست أريدها لنفسي))، قال: فلِمَن يا رسول الله؟ قال: ((لجُليبيب))، قال: يا رسول الله، أشاور أمَّها، فأتى أُمَّها فقال: رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب ابنتك، فقالت: نعم ونُعمة عيني، فقال: إنه ليس يَخطبها لنفسِه؛ إنما يَخطبها لجليبيب، فقالت: أجليبيب إِنِية؟ أجليبيب إِنِية؟ أجليبيب إِنِية؟ فقال لا لعَمر الله، لا تزوَّجُه، فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُخبِره بما قالتْ أُمُّها، قالت الجارية: مَن خطَبني إليكم؟ فأخبرتْها أمُّها، فقالت: أَتردُّون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره؟! ادفعوني؛ فإنه لم يُضيِّعني، فانطلَق أبوها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال: شأنك بها، فزوَّجها جليبيبًا، قال: فخَرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة له، قال: فلمَّا أفاء الله عليه، قال لأصحابه: ((هل تفقدون أحدًا؟)) قالوا: لا، قال: ((لكني أَفقِد جليبيبًا))، قال: ((فاطلُبوه في القتلى))، فطلبوه فوجدوه إلى جنْب سَبعة قد قتَلهم ثم قتلوه، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام عليه، فقال: ((قتل سبعةً وقتلوه؟ هذا مِني وأنا منه، هذا مني وأنا منه)) مرَّتين أو ثلاثًا، ثمَّ وضعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ساعِدَيه وحفر له، ما له سَرير إلا ساعِدَا رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ثم وضعه في قبره، ودعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم صبَّ عليها الخير صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا))، فما كان في الأنصار أَيِّم أنفقَ منها.
9- الشجاعة في الاستجابة:
عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ سيفًا يوم أُحد فقال: ((مَن يأخذ مني هذا؟)) فبَسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا، قال: ((فمَن يَأخُذه بحقِّه؟)) فأحجَم القوم، فقال سِماك بن خرَشة أبو دُجانة: “أنا آخُذه بحقِّه”، قال: فأخَذه ففلَق به هام المشركين.
10 – الاستجابة في الضيافة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعَث إلى نسائه، فقُلنَ: ما معَنا إلا الماء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن يضمُّ أو يُضيف هذا؟))، فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلَق به إلى امرأته فقال: أَكرِمي ضَيفَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالتْ: ما عِندنا إلا قوت صِبياني، فقال: هيِّئي طعامك، وأَصبِحي سِراجَك، ونوِّمي صِبيانَكِ إذا أَرادوا عشاءً، فهيَّأت طعامَها، وأصبَحتْ سِراجها، ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنَّها تُصلِح سِراجها فأطفأته، فجعلا يُريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويَين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ضَحِكَ الله أو عَجب مِن فعالكما))، فأنزل الله -عز وجل-: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
11- الاستجابة في ترك المألوف:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: “كنتُ أسقي أبا عُبيدة وأبا طَلحة وأُبيَّ بن كعب مِن فَضيخ زهر وتمْر، فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حُرِّمتْ، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأَهرِقها، فأهرَقتُها”.
12- الاستجابة في أمر نافع:
عن رافع بن خَديج -رضي الله عنه- قال: “نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أمر كان لنا نافعًا، وطواعيةُ الله ورسوله أنفعُ لنا، نهانا أن نُحَاقِلَ بالأرض فنُكريها على الثُّلُث والرُّبع والطَّعام المسمى”.
13 – الاستجابة في الاستِئذان:
قال قتادة: قال بعض المهاجرين: لقد طلبتُ عُمري كلَّه هذه الآية، فما أَدركتُها: أن أستأذَن على بعض إخوتي، فيقول لي: ارجع، فأرجع وأنا مُغتبِط؛ ﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 28].
14 – الاستجابة عند شدَّة الجوع:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “لما فتَح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيبر، أَصبْنا حُمُرًا خارجًا مِن القرية فطبَخْنا منها، فنادَى مُنادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا إن الله ورسوله يَنهيانِكم عنها؛ فإنها رجْس مِن عمل الشيطان))، فأُكفِئت القُدور بما فيها، وإنها لتَفور بما فيها”.
15- الاستجابة حتى في الالتفات:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: ((لأُعطينَّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يَفتح الله على يديه))، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ”، قال: فتساوَرتُ لها؛ رجاء أن أُدعَى لها، قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ بن أبي طالب، فأعطاه إياها وقال: ((امشِ ولا تَلتفِت حتى يَفتح الله عليك))، فسار عليٌّ شيئًا ثم وقَف ولم يَلتفِت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟ فقال: ((قاتِلهم حتى يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك، فقد منَعوا منكَ دِماءهم وأموالهم إلا بحقِّها وحِسابُهم على الله)).
16- الاستجابة في الجلوس:
عن أبي ثعلبة الخُشَني قال: كان الناس إذا نزَلوا مَنزلاً تفرَّقوا في الشِّعاب والأودية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ تَفرُّقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم مِن الشيطان))، فلم يَنزل بعد ذلك مَنزلاً إلا انضمَّ بعضهم إلى بعض، حتى يُقال: لو بُسط عليهم ثوب لعمَّهم.
17- الاستجابة المُطلَقة:
عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: لما استَوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، قال: ((اجلِسوا))، فسَمِع ذلك ابن مسعود فجلَس على باب المسجد، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((تعالَ يا عبدالله بنَ مسعود)).
18- الاستجابة للوصيَّة:
بلغ مصعبَ بن الزُّبير عن عريف الأنصار شيءٌ؛ فهمَّ به، فدخَل عليه أنس -رضي الله عنه- فقال له: سمعتُ رسول الله يقول: ((استوصوا بالأنصار خيرًا – أو قال: معروفًا – اقبَلوا مِن مُحسِنهم، وتجاوَزوا عن مُسيئِهم))، فألقى مُصعب نفسه عن سريره، وألزَق خدَّه بالبِساط، وقال: أمْرُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الرأس والعين، فتركَه.
19- الاستجابة في الأَسرى:
قال ابن اسحاق: وحدَّثني نبيه بن وهب أخو بني عبدالدار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أقبل بالأسارى فرَّقهم بين أصحابه، وقال: ((استوصوا بالأسارى خيرًا)) قال: وكان أبو عزيز بن عُمير بن هاشم – أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه – في الأسارى، قال: فقال أبو عزيز: مرَّ بي أخي مصعب بن عمير ورجلٌ مِن الأنصار يَأسِرني، فقال: شُدَّ يدكَ به؛ فإن أمَّه ذات متاع لعلَّها تفديه منك، قال: وكنتُ في رهط مِن الأنصار حين أقبَلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدَّموا غداءهم وعشاءهم خصُّوني بالخُبزِ وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيَّاهم بِنا، ما تقعُ في يد رجل منهم كِسرة خُبزٍ إلا نفَحني بها، قال: فأستَحيي فأردُّه على أحدهم فيردُّها عليَّ ما يَمَسُّها.
مواقف من حياة الصحابة
كان للصحابة الكرام مواقفُ كثيرة في حياتهم ومعاملاتهم مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومن هذه المواقف ما يأتي:
جاء عن أبي مسعود البدري، في قصة أو موقف من مواقف من حياة الصحابة يبرهن على سرعة استجابة الصحابة الكرام لأوامر رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، قال أبو مسعود البدري: “كنتُ أضرب غلامًا لي بالسَّوطِ، فسمعتُ صوتًا من خلفي “اعلمْ، أبا مسعودٍ!”، فلم أفهمِ الصوتَ من الغضبِ، قال: فلما دنا مني، إذ هو رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فإذا هو يقول: اعلمْ، أبا مسعودٍ! اعلم أبا مسعودٍ!، قال: فألقَيتُ السوطَ من يدي، فقال: اعلمْ، أبا مسعودٍ! أنَّ اللهَ أقدرُ عليك منك على هذا الغلامِ، قال فقلتُ: لا أضربُ مملوكًا بعده أبدًا”.
وفي موقف آخر، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “إنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أخذ سيفًا يومَ أحدٍ، فقال: من يأخذُ مني هذا؟، فبسطوا أيديَهم، كلُّ إنسانٍ منهم يقول: أنا، أنا، قال: فمن يأخذُه بحقِّه؟، قال: فأحجمَ القومُ، فقال سماكُ بنُ خرشةَ أبو دجانةَ: أنا آخذُه بحقِّه، قال: فأخذَه ففلقَ بهِ هامَ المشركين” .
وروى أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “وافَقْتُ ربِّي في ثلاثٍ أو وافَقني ربِّي في ثلاثٍ قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ! لوِ اتَّخَذْتَ مِن مَقامِ إبراهيمَ مُصلًّى، فأنزَل اللهُ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وقُلْتُ: يدخُلُ عليكَ البَرُّ والفاجرُ فلو حجَبْتَ أمَّهاتِ المُؤمِنينَ فأُنزِلَتْ آيةُ الحجابِ وبلَغني شيءٌ مِن معامَلةِ أمَّهاتِ المُؤمِنينَ، فقُلْتُ: لَتكُفُّنَّ عن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أو لَيُبدِلَنَّه اللهُ أزواجًا خيرًا منكنَّ حتَّى انتهَيْتُ إلى إحدى أمَّهاتِ المُؤمِنينَ، فقالت: يا عُمَرُ! أمَا في رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ما يعِظُ نساءَه حتَّى تعِظَهنَّ أنتَ، فكفَفْتُ، فأنزَل اللهُ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} ” .
وفيما جاء من مواقف من حياة الصحابة -رضي الله عنهم- روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- قال: “جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ لَأَحَبُّ إليَّ مِن نَفسي، وأحَبُّ إليَّ مِن أهلي، وأحَبُّ إليَّ مِن ولَدي، وإنِّي لَأكُونُ في البيتِ فأَذكُرُكَ فما أَصبِرُ حتَّى آتِيَكَ فأَنظُر إليكَ، وإذا ذَكَرْتُ مَوتي ومَوتَكَ عَرَفْتُ أنَّكَ إذا دخَلْتَ الجنَّةَ رُفِعْتَ مع النَّبيِّينَ، وإنْ دَخَلْتُ الجنَّةَ خَشِيتُ ألَّا أراكَ، فلم يَرُدَّ عليه النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى نزَلَتْ عليه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}